غضبكِ ليس ذنبهم: كيف تتعامل الأم مع غضبها بدون إيذاء الأبناء؟

تربية الأبناء ليست عملية سهلة وليست مستحيلة أيضاً، ولا يمكن للتربية أن تتم إلا بوجود الحب والحزم، وذلك يكون بدور الأم والأب معاً؛ والأم تقضي معظم وقتها مع الأبناء وتؤدي دوراً لا يُستهان به، وكثيراً ما تتعب الأم في تربية أبنائها، وتختلف طبيعة تعبها باختلاف مراحل نمو الأبناء، وما يطرأ على كل مرحلة من تغيرات نفسية وجسدية واجتماعية، وقد تفقد صبرها في بعض المواقف وتغضب، ولكن ليس كل غضبٍ يعتري الأم هو نتيجة مباشرة لتصرفات الأبناء؛ ففي كثير من الأحيان تكون جذور الانفعال متصلة بضغوط الحياة اليومية، وتراكم الأعباء، وشعور الأم بالإرهاق أو القلق التقصير، وقد يخرج هذا الغضب في لحظة تعب أو توتر في صورة رد فعل على تصرف عابر من الطفل، بينما هو في الحقيقة انعكاس لتوتر شديد لا علاقة له بسلوك الطفل في تلك اللحظة.

 لماذا تغضب الأم؟

1- قلة مشاركة الأب في التربية: من الآباء من لا يريد القيام بأي نوع من رعاية الطفل عندما يعود متعباً في المساء، والحقيقة أن الأم التي كانت تعمل طول النهار في رعاية أولادها هي أيضاً متعبة، وتحتاج إلى شيء من تفهُّم الزوج وتقديره. (شمسي باشا، ٢٠١٠، ص.١٢)

2- شجار الإخوة: الشجار بين الأطفال لا يكاد يخلو منه بيت من البيوت، وكثيراً ما يستمتع الإخوة، وهم يتشاجرون بعضهم مع بعض، كما أن الأطفال الذكور يحاولون السيطرة على البنات، وقد يعيّر الأطفال بعضهم بعضاً بشكل الجسم أو قصره أو ضخامته فيتشاجرون، وكثيراً ما يتشاجر الأطفال لامتلاك بعض اللعب، وتلك المشاجرات تثير غضب الأبوين اللذين يصابان بالصدمة حتى يعجزان عن منع تلك المشاجرات. (شمسي باشا، ٢٠١٠، ص.٥٩)

3- ضغوط الحياة: يؤدي تعرض الآباء للمشكلات الخارجية، والضغوط النفسية نتيجة لإيقاع الحياة السريع الصاخب إلى افتقار معظم الأسر للهدوء والسكينة والاتزان الانفعالي، حتى أن الزوجة التي تشارك زوجها وتقاسمه أعباء العمل خارج المنزل، ثم الأعباء التي تنتظرها أيضاً لدى عودتها إلى المنزل… كل هذا يجعلها في شبه ثورة انفعالية، نتيجة للشحن النفسي والمعنوي السلبي الذي تتعرض له، وهذه الأوضاع الأسرية التي فرضتها تلك الظروف البيئية الاقتصادية والاجتماعية جعلت السمة البارزة للوالدين هي العصبية المفرطة، والغضب الشديد، سواء في تعاملات كل منهما مع الآخر أو في تعاملاتهم مع أبنائهما. (مختار، ١٩٩٨، ص. ٤١-٤٢)

4- الطفل المُخرّب: من النادر أن نجد طفلاً مخرباً عن قصد أو عن عبث مع أن الأطفال أثناء نموهم كثيراً ما يعمدون إلى إيقاع التلف لا بما يملكون فحسب بل بكل ما يصلون إليه من أشياء، وقد يكون الميل للتدمير غير متعمَّد بسبب نقص خبرة الطفل وتجريبه في الإمساك بالأشياء القابلة للكسر وقد يحدث أن يكسر بعض الأشياء عمداً نتيجة حب الاستطلاع والرغبة في المعرفة. (مختار، ١٩٩٨، ص. ٩١-١١١)

وهذا السلوك لدى الطفل يثير غضب الأم، وقد يكون غضبها أيضاً لتراكم الضغوط اليومية، ما يجعل ردة فعلها عندما يخرّب الطفل شيئًا قاسية أحياناً.

كيف تتعامل الأم مع غضبها بدون إيذاء الأبناء؟

يتضح مما سبق أن التوتر قد يكون أبرز ما يؤدي إلى غضب الأم، وتكمن الخطورة حين تفرّغ الأم التوتر المتراكم وتؤذي الطفل، بدون وجود خطأ حقيقي من الطفل؛ فالطفل لا يجب أن يدفع “فاتورة” تعب يومها الطويل أو صراعها الداخلي أو الخارجي.

ويمكن تخفيف التوتر بطريقتين: من خلال القيام بعمل قوي كضرب السجاد ونفضه من الغبار أو القيام بنشاط معين، أو المشي سريعاً، وعن طريق التفريغ الانفعالي بالتحدث إلى أحد كأمها أو جدتها، أو من خلال ممارسة نشاط مثل الرياضة. (أبو سعد، 2006)

ومن الإرشادات المفيدة أيضًا للأمهات:

۱- استعيذي بالله من الشيطان الرجيم باستمرار، عندما تشاهدين من طفلك ما يثير غضبك، وغيّري مكانك، واقعدي إن كنت قائمة.

٢- انظري إلى طفلك طويلاً حين يكون نائماً، وتأملي براءته وضعفه وخاطبي نفسك: هل ما يفعله يستحق أن أضربه أو أصرخ في وجهه، أم أن غضبي هو نتيجة توتري من ضغوط أخرى لا علاقة له بها؟.

٣- تذكري أن التعبير بطريقة خاطئة عن غضبك لن ينفع في تأديب الطفل، بل قد يزيده شغباً وتمرداً، وحاولي التواصل معه بهدوء، وأن تشرحي له سبب عدم قبول سلوكه، وأن وتعرضي له البدائل الممكنة، وامنحيه الفرصة للتعلم من أخطائه.

٤- لا تحاسبي الطفل في اللحظة نفسها التي يثير غضبك فيها، بل أجّلي ذلك وقد تعلنين لطفلك أنك ستحاسبينه على خطئه أو إهماله فيما بعد؛ فهذا التأجيل يساعد على إخفاء ثورة الغضب في نفسك. (شمسي باشا، ٢٠١٠)

٥- يتحتَّم على الآباء أن يكونوا القدوة الصالحة، والمثل الأعلى لأطفالهم، ولهذا ينبغي أن يتحلوا بالصبر واللين، وأن يقلعوا تماماً عن عصبيتهم وثورتهم أثناء تعاملهم مع أطفالهم حتى لا يقلدهم أبناؤهم، مع التحلّي بالقدرة على حل المشكلات في الوقت المناسب، وبأكبر قدر ممكن مع المعقولية والقبول، بحلول يسودها العدل والمحبة والتفاهم. (مختار، ١٩٩٨، ص.٤٥)

6- عليك في نهاية الأمر أن تتعلمي العناية بنفسك قدر عنايتك بأطفالك؛ فأنت في الواقع تخدمين أطفالك عندما تمضين بعض الوقت في العناية بنفسك أكثر. (أبو سعد، 2006)

7- تعلمي طرق إدارة الغضب والتعامل معه، وتدرّبي عليها.

وبناءً على ما سبق يمكن أن نقول:

تربية الأبناء رحلة مليئة بالتحديات والمسؤوليات التي تتطلب من الأم والأب الصبر والحب والحكمة والحزم معاً.

قد يكون غضب الأم إنذاراً يشير إلى حاجتها للراحة أو التفريغ الانفعالي، وهو دليل على حجم المسؤولية التي تحملها في قلبها وعقلها تجاه أبنائها، ولكنّ غضبها، وإن كان طبيعيًا في ظل الضغوط اليومية، لا يجب أن يؤدي إلى إيذاء الأبناء، بل يجب أن نفهم أولاً أسباب توترنا وغضبنا، ثم نبحث ثانياً عن طرق فعالة في للتعامل مع الذات والطفل، من خلال إدارة الانفعالات، وفهم طبيعة الأطفال ومراحل النمو؛ فالأم التي تعتني بنفسها وتتعلم كيف تتعامل مع توترها وكيف تدير غضبها، تكون أقدر على توفير بيئة آمنة ومستقرة لأطفالها، وتساعدهم على النمو السليم.

“وفي كل مرة تختار فيها الأم أن تهدأ، أو تطلب الابتعاد قليلاً بدلاً من الصراخ أو الضرب، فإنها لا تحمي أبناءها فقط، بل تحمي ما هو أثمن: صورتها في أعينهم كملاذٍ آمن لا كمصدر خوف”

المراجع:

  • أبو سعد، مصطفى. (2006). الأطفال المزعجون (ط.2). الإبداع الفكري.
  • شمسي باشا، حسان. (2010). كيف تربي أبناءك في هذا الزمان (ط.10). دار القلم.
  • مختار، وفيق. (1998). مشكلات الأطفال السلوكية. دار العلم والثقافة.

Facebook
Twitter
WhatsApp