تتأثر شخصية الانسان وصحته النفسية بالعديد من المواقف والظروف المحيطة به وكافة الأحداث الضاغطة التي يمر بها حياته لأن الحياة لا تخلو بالتغيرات والتحولات الكثيرة وخاصة في ظل الكوارث الطبيعية والبشرية كالحروب والزلازل ولعل من أصعب المواقف فقدان الإنسان لشخص عزيز على نفسه أو إجباره على ترك وطنه أو بلدته الأصلية وتهجيره للعيش في مكان آخر مما يشعره بالحزن والضيق وهنا تختلف قدرة الافراد في الاستجابة لهذه المواقف.
ومن الجدير بالذكر أن الراشد النازح ممن يتأثر تأثراً كبيراً بالأحداث الضاغطة لما عليه من مسؤولية كبيرة كأعباء الأسرة وتلبية احتياجاتها المختلفة وإدراكه ووعيه للأحداث وخاصة الجديدة منها وغير المعتاد عليها، ناهيك عن التسمية الجديدة التي أُنيطت به وهي (النازح)، وبهذا الصدد أشار بانج وفيو (Bang&Few, 2012) إلى أن النزوح الداخلي وإعادة التوطين يؤدي إلى إبعاد الناس عن سبل عيشهم ومواردهم المادية والثقافية ومن الوصول إلى التكيف التقليدي الذي كانوا يعتمدون عليه سابقاً. (1)
ومما لا شك فيه أن الفرد يواجه في حياته الكثير من المشكلات والأحداث الضاغطة التي تتضمن أحداثاً غير سارة من المحتمل أن تؤثر في رفاهيته ورضاه عن حياته؛ فالنزوح وما يصاحبه من أحداث سلبية من الممكن أن يؤثر بشكل أو بآخر على مستويات الرضا والتفاعل مع هذه الأحداث، وأرى أن هناك العديد من النازحين تأثر رضاهم عن حياتهم في ظل النزوح وتغير الظروف والأمور الاعتيادية وبرنامج حياتهم وتغير البيئة المحيطة وانقطاعهم عن مواردهم المالي؛ـ فقد يعيش الراشدين النازحون في ظروف اقتصادية صعبة، مما يؤدي إلى الفقر والعوز وضعف الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم بالإضافة الى عدم الاستقرار المالي فقد يواجه الراشدون النازحون صعوبات في إدارة الموارد المالية والتخطيط للمستقبل بسبب عدم الاستقرار المالي وعدم اليقين في الحصول على الدخل.
ومن خلال ملاحظتي لأنماط معيشة بعض النازحين ممن تركوا بيئاتهم الأصلية التي كانوا معتادين عليها، وانتقلوا لبيئات أكثر صعوبة وتعقيداً، ومعاناتهم من قلة المال والصعوبات الاجتماعية والاقتصادية، وقلة الأمان وفرص العمل، واعتمادهم على المنظمات الإنسانية في تلبية حاجاتهم المختلفة، إلا أنه كان لهم دور إيجابي في المجتمع المضيف من خلال مساهمتهم ببناء المؤسسات التعليمية من جامعات ومدراس، ومشاريع تجارية من فنادق ومطاعم ومولات، ومشاركتهم في الحياة المدنية بمجالس محلية وبلديات وغير ذلك.
في العلوم الفيزيائية توصف المواد والأشياء بانها مرنة إذا استأنفت شكلها الأصلي عند ثنيها أوشدها؛ فتشير المرونة النفسية لدى الأشخاص الى القدرة على الارتداد بعد مواجهة الصعوبات.
إن التعرض للشدائد هو تجربة إنسانية عالمية وأظهرت الأبحاث ان معظم الناس سيواجهون حدثًا مؤلمًا واحدًا على الأقل كما هو محدد في الدليل التشخيصي والاحصائي للاضطرابات العقلية الإصدار الرابع للجمعية الامريكية للطب النفسي على مدار حياتهم، ومع ذلك ليس كل من يتعرض لهذه الشدائد أو لحدث صادم سيواجهون ضائقة نفسية منهكة ولذلك أكد كل من بونانو ويستفال ومينسن Bonano Westphal&Mancini ان القدرة على التكيف بشكل جيد في مواجهة الصدمات او المرونة النفسية هي أكثر شيوعا مما نعتقد. (2)
ويؤكد كل من (Luthar and Chichetti,2000؛Rutter,2000) أن المرونة تتطلب وجود خطر أو محنة كبيرة واضحة وهذا ما يميز المرونة عن التطور الطبيعي. (3)
ويبدو أن بعض الافراد يستسلمون لأكثر الضغوط بينما يبدو ان الاخرين يتأقلمون بنجاح مع أكثر التجارب فظاعة والظاهرة الأخيرة هي ما ينظر اليها عموما على انه مرونة. (5)
تعريف المرونة النفسية:
المرونة النفسية هي القدرة على التكيف مع الأحداث الصعبة والمضي قدمًا في الحياة، وهي مهارة مهمة للجميع، خاصةً للراشدين النازحين الذين واجهوا تحديات كبيرة في حياتهم وصعوبات جمة وعودة أدائهم الى حالته الطبيعية، وهي عملية تمكن الراشد النازح تحت أي ظرف من ظروف الحياة وتحدياتها من نزوح وحرب وضغوط نفسية أن يستعيد صحته وقوته واندفاعه لاستكمال حياته بشكل ناجح والتكيف مع الظروف الجديدة والمضي قدما في الحياة.
خصائص الأشخاص المرنيين:
إن الراشدين النازحين المرنين قد يتمتعون بخصائص تميزهم في التكيف مع التحديات والمشكلات والظروف الصعبة التي يواجهونها بسبب التهجير وانتقالهم لمكان جديد غير معتادين عليه وبظروف وأوضاع معيشية جديدة، وهذه الخصائص تساعد الراشدين النازحين على بناء حياة جديدة مستقرة وناجحة رغم التحديات التي يواجهونها، ومن هذه الخصائص:
- التكيف السريع: هناك البعض من الراشدين النازحين الذين تمتعوا بقدرة على التكيف مع التحديات العاطفية التي قد تنشا نتيجة للتهجير ومع البيئة الجديدة بسرعة، وأوجدوا طرقًا مبتكرة لتلبية احتياجاتهم الأساسية والاجتماعية. ومضوا بسرعة للملمة جراحهم والانطلاق من جديد.
- المرونة العاطفية: يظهر لدى الراشدين النازحين مرونة عاطفية في التعامل مع المشاعر السلبية مثل الخوف والقلق والحزن ويحولون نشر هذه المرونة لمن حولهم ودعمهم، ويعتمدون على استراتيجيات فعالة وصحية للتغلب على التحديات.
- القبول للتغيير: يتولد لديهم استعداد لقبول التغييرات والتحديات الناجمة عن التهجير القسري، ويتعاملون معها بشكل إيجابي وبناء ويبحثون عن الفرص في الوضع الجديد لاستكمال حياتهم.
- المرونة العملية: يظهرون مرونة في التعامل مع التحديات العملية مثل البحث عن عمل أو تأمين سبل العيش في بيئة جديدة بلا كلل ولا ملل.
- التفكير الإيجابي: يميلون إلى التفكير بشكل إيجابي والبحث عن الجوانب الإيجابية في الحياة حتى في ظل الظروف الصعبة.
- المرونة التعليمية: يكونون مستعدين للتعلم وتطوير مهاراتهم الشخصية والمهنية لتحقيق النجاح في الحياة الجديدة وهذا ما لاحظه الباحث من تقدم بعض الراشدين النازحين لامتحانات الثانوية العامة بعد نزوحهم من بلدهم الأم.
- الثقة بالنفس: يتمتعون بثقة عالية بأنفسهم وقدرتهم على التكيف والتعامل مع التحديات والنجاح في تحقيق أهدافهم.
- المرونة الثقافية: تتمثل في الاحترام والتكيف مع التنوع الثقافي فالراشدين النازحين يمكنهم التفاعل بشكل إيجابي مع العادات والتقاليد الجديدة.
مقومات المرونة النفسية:
المقومات تعد أساسية لتعزيز المرونة النفسية لدى الراشدين النازحين وتساعدهم على التكيف مع التحديات والمواجهة بإيجابية لتحقيق النجاح والارتقاء بحياتهم، ولا يفوتني أن أنوه إلى أن هناك مقومات أخرى:
1.الدعم الاجتماعي:
عبر:
- العلاقات مع العائلة والأصدقاء: توفر هذه العلاقات شعورًا بالانتماء والارتياح والأمان.
- المشاركة في المجتمع: يمكن أن تساعد المشاركة في الأنشطة الاجتماعية الى التنفيس الانفعالي وفي تقليل من الشعور بالوحدة والعزلة.
- العلاج النفسي: يمكن أن يساعد المعالجون النفسيون النازحين على تعلم كيفية التعامل مع مشاعرهم وأفكارهم الصعبة والتفكير بإيجابية.
2. المهارات الشخصية:
– القدرة على حل المشكلات: يمكن أن تساعد هذه المهارة النازحين على إيجاد حلول للتحديات التي يواجهونها.
– التفكير الإيجابي: يمكن أن يساعد التركيز على الأفكار الإيجابية على تقليل الشعور باليأس والاحباط.
– التنظيم الذاتي: يمكن أن تساعد هذه المهارة النازحين على إدارة مشاعرهم وسلوكهم على النحو الأمثل.
3. الموارد والخدمات:
– المساعدة المالية: يمكن أن يساعد الدعم المالي النازحين على تلبية احتياجاتهم الأساسية.
– السكن الملائم: يمكن أن يوفر السكن المريح والجيد المأوى والأمان.
– الرعاية الصحية: من الهام جدا ايلاء الرعاية الصحية للنازحين كل اهتمام وذلك للحفاظ على صحتهم الجسدية والنفسية.
4. الإيمان والأمل:
– الإيمان: يمكن أن يساعد هذا الإيمان النازحين على الشعور بالراحة والأمل والرضا.
– الأمل في مستقبل أفضل: يمكن أن يساعد هذا الأمل النازحين على الاستمرار في المضي قدمًا في حياتهم والسعي للحصول على مستقبل أفضل لهم ولأطفالهم.
خطوات تحسين المرونة النفسية:
أنصح الراشد النازح بخطوات ليمارسها بانتظام يمكن أن تساهم في تحسين المرونة النفسية لديه وتعزيز قدرته على التكيف مع التحديات التي قد يواجهها في الحياة:
التعرف على المشاعر والاحتياجات الشخصية: يجب على الراشدين النازحين تطوير الوعي الذاتي وفهم المشاعر والاحتياجات الشخصية، والتعرف على العوامل التي قد تؤثر على مرونتهم النفسية.
تعزيز التحكم الذاتي: يمكن تعزيز التحكم الذاتي من خلال تطوير استراتيجيات لإدارة الانفعالات بشكل فعال، وتنظيم الفعل والتفكير بشكل صحيح وفعال.
تنمية التفاؤل والتفكير الإيجابي: يمكن تحسين المرونة النفسية من خلال تعزيز التفاؤل والتفكير الإيجابي، والتركيز على الجوانب الإيجابية في الحياة والبحث عن الحلول بدلاً من التركيز على المشاكل.
التعامل مع التحديات بشكل إيجابي: يجب تشجيع الراشدين النازحين على تطوير مهارات التحليل والمواجهة للتعامل مع التحديات بشكل فعّال، والبحث عن حلول مبتكرة وإيجابية للمشاكل التي يواجهونها.
تطوير المرونة العقلية: يمكن تطوير المرونة العقلية من خلال تدريب العقل على التكيف مع التغييرات وتحسين القدرة على التحمل والمرونة العقلية في مواجهة التحديات النفسية.
البحث عن دعم اجتماعي: يمكن للراشدين النازحين البحث عن دعم اجتماعي من الأصدقاء والعائلة والمجتمع المحلي، والانخراط في الأنشطة الاجتماعية والمجتمعية لتعزيز الدعم الاجتماعي وزيادة المرونة النفسية.
الاستثمار في التعلم والتطوير الشخصي: يمكن للراشدين النازحين الاستثمار في التعلم المستمر وتطوير مهاراته الشخصية والمهنية، والسعي لتحقيق الأهداف الشخصية والمهنية المستقبلية.
وخلاصة القول: من المهم ملاحظة أن المرونة النفسية هي عملية مستمرة، وقد يواجه النازحون انتكاسات في طريقهم، لكن من خلال التركيز على مقومات المرونة، يمكنهم التغلب على التحديات التي يواجهونها وبناء حياة جديدة، وهنا لابد من الإشارة إلى أنه يمكن أن تختلف مقومات ومستويات المرونة النفسية من شخص لآخر.
المراجع:
Docena, P.(2015). Adaptive Coping Resilience and Absence of Anxiety Among Displaced Disaster Survivors, Philippine Journal of psychology, 48(2), 27-49, www.academia.edu/22691020/Adaptive_Coping_Resilience_and_Absence_of_Anxiety_Among_Displaced_Disaster_Survivors
Fikretoglu, D& McCreary, D.(2012) Psychological Resilience: A Brief Review of Definitions, and Key Theoretical, Conceptual, and Methodological Issues, Defence, R&D Canada Technical Report DRDC Toronto TR 2012-012
Fleming, J & Ledogar,R.(2010). Resilience, an Evolving Concept: A Review of Literature Relevant to Aboriginal Research. Pimatisiwin, 6(2), 7–23.
Stanley.S & Sethurama Lingam.V&Pandian.S.(2018). Resilience: its nature and significance(A theoretical overview), Indian Journal of Social Work 79 (1). pp. 5-30. ISSN 0019-5634
Rutter, M. Genetic Influences on Risk and Protection Implications for Understanding Resilience.( editor) SUNIYAS, LUTHAR, Resilience and Vulnerability Adaptation in the Context of Childhood Adversities. Cambridge, New York, Melbourne, Madrid, Cape Town, Singapore, São Paulo Cambridge University Press
Dawson, M. L. & Pooley, J. (2013). Resilience: The role of optimism perceived parental autonomy support and perceived social support in first year university students. Journal of Education and Training Studies, 1(2), 38-49. https://ro.ecu.edu.au/ecuworks2013/418
Christy A. Denckla a, Dante Cicchettib, Laura D. Kubzanskyc, Soraya Seedat d, Martin H. Teichere, David R. Williamsf,g and Karestan C. Koenen.(2020). Psychological resilience: an update on definitions, a critical appraisal, and research recommendations .EUROPEAN JOURNAL OF PSYCHOTRAUMATOLOGY,. 11, 1-18
Nair,P.( 2022), Life in a Hotspot: Examining Refugees’ Resilience and Coping Processes amidst the COVID-19 Pandemic] Published Master’s Thesis ,PSIA – Paris School of International Affairs [.
BILGIN,B&TAS,I.(2018). Effects of Perceived Social Support and Psychological Resilience on Social Media Addiction among University Students. Universal Journal of Educational Research 6(4): 751-758 DOI: 10.13189/ujer.2018.060418
Stanley.S & Sethurama Lingam.V&Pandian.S.(2018), Resilience: its nature and significance( A theoretical overview), Indian Journal of Social Work 79 (1). pp. 5-30. ISSN 0019-5634
MIZRAK, S.(2020). Psychological Resilience Level of Individuals Living in Kankakee, Turkey] Published Master’s Thesis, Gümüşhane University.[ Educational Policy Analysis and Strategic Research, V 15, N 1.178-196 DOI: 10.29329/epasr.2020.236.10 https://files.eric.ed.gov/fulltext/EJ1249655.pdf
العاسمي، رياض، وبدرية، علي. (2018). التنظيم الانفعالي وعلاقته بالمرونة النفسية لدى طلاب المرحلة الثانوية بمحافظة السويداء. مجلة جامعة تشرين للبحوث والدراسات العلمية، سلسلة الآداب والعلوم الإنسانية، 40(3). 61 – 82.
أبو عبيد، دعاء. (2013). لمتابعة الحياة وعلاقته بقلق المستقبل لدى الاسرى المحررين المبعدين الى قطاع غزة، [رسالة ماجستير منشورةـ، الجامعة الإسلامية بغزة].