المتابعة المتعِبة في وسائل التواصل الاجتماعي

غَدَتْ وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا من حياة الناس، وأضافت بعدًا جديدًا للحياة ومساحة واسعة للتفاعل المستمر؛ فقد يغيب الشخص جسديًا في الواقع، لكنه موجود في وسائل التواصل الاجتماعي، ويمكن الاطلاع على أخباره، ومتابعته، والتفاعل معه.

لا يكون تفاعل الناس بعضهم مع بعض سارّا دائمًا؛ إذ قد يمر بعضهم بخبرة غير سارّة وتضطرب علاقته بالآخر، كما في حالات الإساءة والإيذاء، وفي مثل هذه العلاقات قد ينتهي التفاعل مع ذلك الشخص ولا يُرى في الواقع، لكن قد تستمر رؤيته ومتابعته من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وهنا أجد فئة كبيرة تشكو من التوتر الشديد والضيق عند متابعة ما ينشره شخص أساء إليهم، أو شخص قد تكون علاقتهم به مضطربة؛ فقد ينشر عمدًا ما يؤذيهم، أو قد يحسبون أن معظم ما ينشره موجَّه لهم ويفسرونه كذلك وكأنه إساءة جديدة.

متابعة ما ينشره الشخص المسيء أو المؤذي قد تؤدي إلى استثارة المشاعر غير السارّة واستدعاء الذكريات المؤلمة، وقد يستمر الإيذاء باستمرار المتابعة.

وهناك من يتجوّل في الملفات الشخصية ويسترجع الذكريات المؤلمة، أو يحتفظ بإساءة ذلك الشخص من خلال وسائل التواصل الاجتماعي في الماضي، ويستغرق في التفكير فيه، وقد يتأمّل أن يندم ذلك الشخص ويعود.

إذا كان الماضي مؤلمًا؛ فالتعامل الخاطئ معه قد يكون أشدّ ألمًا، عندما يقع الماضي أمامنا وليس خلفنا، وعندما لا نتجاوزه أبدًا، ويبقى معنا أينما رحلنا، ونعود إليه بذكرياتنا في كل مرة لنتجرّع آلامه مرة أخرى؛ إذ إن الانشغال بالذين أساؤوا إليك يؤلمك ولا يؤلمهم. (الجامع، 2019)

قد تعيق المتابعة المستمرة إنهاء العلاقة إنهاءً تامًا، وتَحول دون الإغلاق السليم؛ فيبقى الجرح مفتوحًا ويستمر نزيفه، ويتأخر التعافي.

أنصح باتخاذ قرار إلغاء المتابعة لأن هذا القرار مهم في طريق التعافي، ولأن استمرار المتابعة قد يأسِرُ الفرد، ويُبعده عن أهدافه، ويُعرقل حياته. 

يحرّر التعافي الطاقات المهدورة، وقد يصنع في البدايات فراغًًا وخواءً مُوجِعًا يُرهقنا قليلًا، ولكن بعد قليل نستعيد أنفسنا ونُعيد اكتشاف ذواتنا، ويمنحنا التعافي والتجاوز تحريرًا لطاقتنا لنتمكن من استئناف طريقنا؛ لذا ينبغي أن يتركز التعافي على استعادة تطلعاتنا واستئناف طموحاتنا لا على تجاوز العلاقة المؤذية ورفع آثارها السلبية فقط، وينبغي أن يكون هدف التعافي مقرونًا بإعادة تأهيل حياتنا المنكوبة، فنُدْخِل العمل والطموح والإبداع والإنتاج جوار التجاوز؛ فنستعيد دراستنا المتعثرة، ونُعِيد العمل الذي هجرناه حقيقةً أو مجازًا ونرجعه إلى حيّز تركيزنا. (عثمان، 2019، ص. 163-164)  

قرار إلغاء المتابعة خطوة مهمة، ويتبعه خطوات لاستعادة التوازن، والتوجه نحو الحياة، ومن ثم تكون العملية نقطة تحوّل نحو الأفضل.

المراجع:

  • الجامع، أسامة. (2019). الحياة مشاعر. دار زارت.
  • عثمان، عماد رشاد. (2019). أحببتُ وغْدًا. الرواق للنشر والتوزيع.

Facebook
Twitter
WhatsApp