الأمان العاطفي في العلاقات: لا تكن متاحاً للأشخاص الذين يجب عليك أن تحمي نفسك منهم

هناك دروس لا تعلمها المدارس، بل نتعلمها من تجارب الحياة…

كيف نبني علاقات صحية؟

كيف نضع حدوداً تحمينا من أولئك الذين يقومون بإذائنا؟

والمؤلم عندما ينبع هذا الضرر ممن وثقنا بهم يوماً واعتبرناهم ملاذنا الآمن.

في إحدى المقولات التركية (مجهولة المصدر)، لخص محامٍ تركي مسن رؤيته خلال مسيرته المهنية التي امتدت ستين عاماً قائلاً:

“جميع القضايا والنزاعات التي رأيتها كانت بين أشخاص ربطتهم ثقة في يوم من الأيام”

هذا يضعنا أمام إحساس مريب ومعضلة، فالعلاقات تستلزم الأمان والثقة، لكن في الوقت نفسه أكثر جروحنا عمقاً تأتي من حيث منحنا الأمان.

إن مشاعرنا وشعورنا بالأمان أمران مهمان، فهما يساعدان على تحديد إذا كانت علاقة معينة مناسبة لنا، وإذا ما كنا نرغب في التقرب من أشخاص معينين دون غيرهم، إن الشعور بالأمان قد يكون بمثابة الأرضية التي تبنى عليها معظم مشاعرنا وضمن أي علاقة يتوجب علينا تقييم الأمان أولاً، حيث لا يمكن أن تنمو أي نبتة وحتى لو توافرت الشمس والإضاءة والماء إذا ما كانت التربة غير صالحة، لعلنا وعندما نتذكر طفولتنا فإننا نعود للحظات معينة، اللحظات التي كنا قد شعرنا بها بالأمان أو تلك اللحظات التي لم يكن فيها الأمان موجوداً، وبهذا الشكل نصنف المواقف كموقف آمن وآخر غير آمن، وهل هناك أهم من هذا الشعور أو الحال أو مهما يكن اسمه؛ فماسلو كان قد صنفه ضمن هرم الحاجات والذي يتبع الحاجات الأولية كالمأكل والمسكن بشكل مباشر، الحاجة إلى الأمان (Maslow,1943).

رغم ذلك لا يمكننا إنكار أن مفهومنا للأمان العاطفي قد يكون مشوهاً أو غير دقيق كوننا نكتسب هذا المفهوم من محيطنا أثناء طفولتنا، فإذا كان أحد والدينا شخص مفرط في العناية أو شخص مسيء بطريقة ما، فإننا نعد ذلك أمراً مألوفاً كوننا نشأنا في بيئة قامت بتطبيع تلك الإساءة وجعلها شكل أمثل لتحقيق الأمان، ووفقاً لنظرية التعلق (Bowlby, 1969) يحتاج الطفل إلى مقدم رعاية مُتسق ومتجاوب عاطفياً لتكوين تعلق آمن، وبذلك يشعر الأطفال المرتبطون بأمان ويستكشفون العالم لأنهم يستطيعون العودة إلى مقدم رعاية مُتفق مع احتياجاتهم.

 هذا لا يعني أننا عالقون في هذه الأنماط والقوالب غير الصحية من العائلة والمجتمع و لا يعني بالضرورة أنه مقدّر لنا تكرارها، حيث إن الإرادة الحرة والمرونة البشرية تسمحان لنا بالتعلم والتغيير مع مرور الوقت، وهذا لا يعني أيضاً أنه أمر سهل، لكننا بالتأكيد نستطيع تحريك دفة حياتنا وحدنا وتطوير مفهوم الأمان العاطفي لتحقيق بيئة نفسية آمنة.

ربما لا تكون شخصاً سيئاً بالنسبة لي، إلا أنني لا أشعر بالأمان عندما أكون بجوارك، لكن كيف لي أن أعرف أن شخصاً ما آمن أو غير آمن من الناحية العاطفية؟ وهنا لا نتحدث عن العلاقات الحميمية فقط بل عن العلاقات الاجتماعية عامة، إليكم بعض المؤشرات عن الأشخاص الآمنين حسب موقع (University of Colorado Denver, 2024):

  • الشخص الآمن يحترم خصوصيتك، ومساحتك، ووقتك، وحدودك، وعلاقاتك مع الآخرين.
  • شفافية النوايا، بحيث تتوافق أفعالهم مع أقوالهم.
  • تقدير المشاعر والتعبير عنها بشكل مناسب.
  • مراعاة ظروفك بدلاً من الحكم المسبق.
  • سلوكيات وردود أفعال متسقة ومتناسبة.
  • الموافقة تُقدَّم وتُقبل بحرية دون شروط.
  • يمارس المساءلة ويتحمل مسؤولية أفعاله.
  • يستطيع تنظيم مشاعره بدلاً من أن يتوقع منك أن تجعله يشعر بتحسن.
  • يُعبّر عن مخاوفه بصراحة عند ظهورها بدلًا من حجب المعلومات لاحقًا.
  • يستمع باهتمام، ويطرح أسئلة عنك، ويشارك عن نفسه.
  • يشعر بالنشاط، وخفة الحركة، والفهم، والأمل، والوضوح، والإيجابية بشكل عام بعد معظم التفاعلات.

بشكل عام يتجنب البشر الخسارة، ومن ثم يتحمسون لاتخاذ قرارت تتجنب الخسائر أو على الأقل تقللها، حيث يعتمد اتخاذ القرارات البشرية، إلى حد كبير، على الإدراك الذاتي للخسائر والمكاسب؛ فالبشر أكثر حساسية للخسائر من المكاسب، أما إدراك الأمان فيرتبط بدافع تجنب الخسائر، لأنه يصف عموماً حالة من الحماية من الأذى.(Kahneman and Tversky,1979)

وفي حياتنا اليومية نميل إلى حماية أنفسنا من أي ضرر ولكننا في الوقت ذاته ندرك بأنه ولكي نحقق بعض التغيير فلابد من بعض المخاطرة والخروج من منطقة الأمان أو المألوف، وعند إحداث تغيير فإننا نتوقع أن يعود الشعور بالأمان بعد التعود على التغييرات المحيطة أو التابعة لقرارانا ذاك، وهكذا تنبع الحاجة من تجنب الأذى والسعي للأمان كطريقة للحفاظ على البقاء، ورغم ذلك فإننا ربما لا ندرك بأننا نتعرض للأذى خاصةً إذا كنا نعتقد بأن الشخص الذي يقوم بإيذائنا هو شخص نثق به.

لا يعني بالضرورة أن يكون الشخص غير الآمن شخصاً سيئاً، فهناك الكثير من الأشخاص الجيدين ولكنهم بطريقة ما يسلبون السلام منا بعدة طرق، وكما يُقال فإن شعورنا بعدم الأمان هو غالباً مؤشر صادق وعلينا الوثوق ببعض الحدس خاصةً بوجود مؤشرات محددة إلى أن يقوم شخص بالمساومة على أماننا، ولذلك…

إذا لم تعد موجوداً في حياتي فهذا لا يجعلك شخصاً سيئاً، بل يعني أنني لم أعد متاحاً للأشخاص الذين يجب عليَّ أن أحمي نفسي منهم.

المراجع:

Bowlby, J. (1982). Attachment and loss: Retrospect and prospect. American Journal of Orthopsychiatry52(4), 664–678. https://doi.org/10.1111/j.1939-0025.1982.tb01456.x

Kahneman, D., & Tversky, A. (1979). Prospect theory: an analysis of decision under risk. Econometrica: Journal of the Econometric Society, 47, 263–291. https://www.jstor.org/stable/1914185

Maslow, A. H. (1943). A Theory of Human Motivation. Psychological Review50(4), 370–396. https://doi.org/10.1037/h0054346

المواقع:

Who is an Emotionally Safe Person? .(2024). Ucdenver.edu. https://www.ucdenver.edu/student/stories/library/healthy-happy-life/who-is-an-emotionally-safe-person

Facebook
Twitter
WhatsApp