عنوان البحث الأصلي |
Lifelong Ambiguous Loss: The Case of Cuban American Exiles |
المجلة |
journal of Family Theory & Review 8 (September 2016): 324–340. DOI:10.1111/jftr.12147 |
المؤلف |
Rose M. Perez: Graduate School of Social Service, Fordham University, (roperez@fordham.edu) |
ملخص
توضح هذه المقالة الطبيعة المزمنة للفقدان الغامض في سياق فقدان الوطن باستخدام الأمريكيين الكوبيين الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة بين عامي 1959 و 1971 كمثال. توفر نظرية الفقدان الغامض إطارا لفهم الألم الذي تعاني منه هذه المجموعة من الأمريكيين الكوبيين وعائلاتهم الذين يتعاملون مع فقدان مؤلم يتحدى الختام، وفي الوقت الذي تحافظ فيه هذه المجموعة من الأمريكيين الكوبيين على وجودهم الدائم من الناحية النفسية في وطنهم الأم، فقد واجهت تحديات فريدة في الهوية والعلاقات متجذرة في التوترات بين الولايات المتحدة وكوبا، هاجروا بسبب التغيرات الاجتماعية التي أعقبت ثورة 1959 التي أطلقها فيدل كاسترو ضد نظام فولجنسيو باتيستا، وكان اتصالهم بوطنهم محدودا في الوقت الذي يأملون فيه أن تتغير الحكومة الكوبية نحو الأفضل. هذه الدراسة تدعم فائدة نموذج عن الفقدان الغامض وتقدم اقتراحات لاتجاهات البحث المستقبلية.
تعرّف (Boss.2006) الفقدان الغامض بأنه نوع معين من الفقدان يتميز بعدم اليقين والأسئلة التي لم تتم الإجابة عنها والتي لا يمكن الإجابة عنها بالكامل، ما يترك المتألم يكافح لمعرفة متى تبدأ عملية الحزن أو تنتهي. |
ويمثل الفقدان الغامض إشكالية خاصة بالنسبة للاجئين وغيرهم من السكان المهجرين، يمكن للظروف المؤلمة التي يغادر فيها المهاجرون، والصدمة والإجهاد الناتج عن التكيف مع بيئة جديدة، والمعاناة والحزن المطوّلين أن تجعل الأفراد بعيدين وغير متاحين نفسيا لأفراد الأسرة، ويمكن أن تؤثر في نوعية العلاقات (Falicov, 2005a).. وفق (Boss. 2006; 1999)، من المهم الاعتراف بأن ألم الفقدان الغامض غالبا ما يكون ناجما عن ظروف خارجية خارجة عن سيطرة الفرد. إن الاعتراف بالسياق الثقافي الذي يحدث فيه الفقدان الغامض أمر بالغ الأهمية لأن الأفراد الذين يعانون قد يضاعفون آلامهم عن طريق إلقاء اللوم بشكل غير لائق على أنفسهم لكونهم ضعفاء أو بطريقة ما يتسببون في مصائبهم.
كان الأمريكيون الكوبيون يزورون شواطئ الولايات المتحدة ويستقرون فيها لعدة قرون، ومع ذلك فقد كانت الثورة الكوبية عام 1959 هي المحفز الذي قاد أكثر من مليوني شخص في الشتات (Batalova, 2004). افترض العديد من المنفيين الأمريكيين الكوبيين الذين غادروا كوبا في السنوات العشرين التي تلت الثورة أنهم سيعودون في غضون فترة زمنية قصيرة. ومع ذلك، ونتيجة للعلاقات المتضاربة باستمرار بين الولايات المتحدة وكوبا، كان عليهم التكيف مع عقود من الغموض المزمن والتناقض تجاه وطنهم. ظل الكثيرون معزولين عن كوبا (Suárez& Perez, 2011) وتعلموا العيش مع الأسئلة التي لم تُحلّ حول العودة للعيش أو الزيارة. وقد تطلّب منهم انفصالهم المستمر منذ عقود عن وطنهم تطوير استراتيجيات للتعامل مع الفقدان الغامض.
نظرية الفقدان الغامض وفقدان الوطن
يتميز الفقدان الغامض بالحفاظ على وجود نفسي لما فُقد جسديا. في هذا النوع من الفقدان، يعاني المهاجرون واللاجئون الذين يغادرون وطنهم من الحداد على أحبائهم الذين تركوا وراءهم وعلى جوانب بلدهم التي يحبونها (Solheim, Zaid, & Ballard, 2015). قد يعانون من الإجهاد المزمن لعدم معرفة متى قد يعودون، ولعبء بدء الانفصال عن أحبائهم، حتى لو شعروا بأن الظروف أجبرتهم على القيام بذلك.
وفقا لـ (Boss. 2006; 1999)، يمكن أن يكون من الصعب على الأفراد والعائلات إدارة الألم المرتبط بالفقدان الغامض، وينطبق هذا بشكل خاص على المهاجرين عندما تكون ظروف المغادرة مؤلمة وغير مؤكدة، على الرغم من أن اللاجئين والمهاجرين يجب أن يتعاملوا في نهاية المطاف مع آثار الصدمة والفقدان الغامض على المستوى الفردي، إلا أن Boss تؤكد أن آلامهم تنبع من وضع غير طبيعي وليس من أوجه القصور الشخصية. قام (Erich Lindemann, 1944) وغيره من خبراء عملية الحزن بتصور الحزن الذي لم يُحلّ على أنه مرَضي. ومع ذلك، فإن الخسائر الغامضة بطبيعتها غير قابلة للحل. لأن الخسائر الغامضة تحدث خارج سيطرة أولئك الذين يعانون منها، فمن الخطأ تصورها كدليل على علم الأمراض الفردي.
قد تؤدي الظروف المختلفة المحيطة بالهجرة إلى ردود فعل مختلفة حِيال الفقدان الغامض. على سبيل المثال، درس Solheim et al. (2015) العائلات المكسيكية المهاجرة عبر الحدود. وتعرف الأسر المهاجرة بأنها الأسر التي “تعيش بين عالمين” وتحتفظ بصلات قوية مع أحبائها في الوطن (Falicov, 2005b, 2007; Hondagneu-Sotelo, 1997; Levitt, 2003). في الأسر المكسيكية التي درسها ( Solheim et al.2015)، عانى الأطفال الذين بقوا في المكسيك من الانفصال عندما غادر واحد أو أكثر من أفراد الأسرة للبحث عن عمل في مينيسوتا. وجد الأطفال طريقة الاتصال بأفراد الأسرة وحافظوا على اتصال منتظم. ومع ذلك، فقد عانوا من فقدان غامض في شكل عدم يقين مزمن بشأن موعد لمّ شملهم جسديا. وعانى أفراد الأسرة من صعوبات اقتصادية فضلا عن القلق المستمر بشأن رفاه أولئك الذين لم يكونوا حاضرين.
في دراسة توفر تباينا مفيدا، درس Luster, Qin, Bates, Johnson, and Rana 2008) ظروف الأطفال من السودان الذين انفصلوا عن أسرهم بسبب الاضطرابات السياسية. وعلى النقيض من الأطفال المكسيكيين الذين تمكنوا من الحفاظ على بعض الاتصال بأفراد الأسرة الغائبين، فقد قضى الأطفال السودانيون سنوات دون أي أمل في الاتصال بأسرهم. وهكذا، فإن الظروف السياسية التي فصلت الأطفال السودانيين عن أسرهم أدت إلى تحديات مختلفة عن تلك التي واجهها أطفال الأسر المكسيكية المهاجرة.
هذان المثالان يوضحان كيف يمكن أن تؤثر أسباب الهجرة في الخسائر الغامضة – المهاجرون الاقتصاديون الذين تربطهم بوطنهم علاقات مستمرة، مقابل اللاجئين السياسيين المنفصلين انفصالاً مؤلماً عن وطنهم-. إن الأفراد الذين يهاجرون بسبب الصعوبات الاقتصادية، ولكن لا يستطيعون الحصول على تأشيرة عمل قد يتعرضون للوصم والتمييز المستمر في البلد الجديد (Falicov, 2007). وبالإضافة إلى ذلك، فإن عملية مساعدتهم في الحصول على وضع قانوني أصعب مما هي عليه بالنسبة لأولئك الذين لم يُمنحوا حالة الإقامة كلاجئين. من الناحية القانونية، لا يمكن للمهاجرين إلى الولايات المتحدة الحصول على البطاقة الخضراء على أساس ادعاء بوجود ضائقة اقتصادية في بلدهم الأم. وعلى النقيض من ذلك، فإن المهاجرين السياسيين القادرين على إثبات أن لديهم خوفا له ما يبرره من العودة إلى بلادهم قد يمنحون وضع اللاجئ الرسمي من قبل حكومة الولايات المتحدة. يرتبط وضع اللاجئ بمجموعة من المزايا في الولايات المتحدة التي لا تُوَفَّر للمهاجرين الاقتصاديين.
يوصف اللاجئون الأمريكيون الكوبيون الذين غادروا خلال السنوات العشرين الأولى بعد الثورة بأنهم “استثنائيون” بحكم الهجرة وسط الحرب الباردة، والدعم الذي لا مثيل له الذي تلقوه من حكومة الولايات المتحدة، ونموهم الاقتصادي السريع في المجتمع الأمريكي (Rothe & Pumariega ، 2008). لم تتمكن هذه الموجات المبكرة من المهاجرين الأمريكيين الكوبيين من الحفاظ على اتصال مع أحبائهم خلال السنوات العشر الأولى بعد الثورة ولم يتمكنوا من العودة إلى كوبا حتى للزيارة حتى عام 1979 (Suárez & Perez، 2011). ويُعدّ الأمريكيون الكوبيون الذين يصلون في وقت لاحق قد هاجروا لأسباب تتعلق بالصعوبات الاقتصادية أكثر منها لأسباب سياسية (Pedraza, 2002). ومع ذلك، فإن جميع المهاجرين الكوبيين إلى الولايات المتحدة مؤهلون كلاجئين سياسيين بسبب المعاهدات التي أبرمت في أعقاب الثورة الكوبية عام 1959. في الوقت الحالي، تضمن سياسة “القدم الرطبة / القدم الجافة” أن أي كوبي يصل إلى أراضي الولايات المتحدة الجافة سيكون مؤهلا ليصبح مقيما في الولايات المتحدة لمدة سنة من تاريخ وصوله (خدمات المواطنة والهجرة الأمريكية، USCIS ، 2015).
بغض النظر عن الظروف الاقتصادية أو السياسية، فإن الفقدان الغامض هو جانب شائع من تجربة المهاجرين. قد تختلف تجارب المهاجرين اعتمادا على عوامل مثل المستوى التعليمي والطبقة الاجتماعية، وأسباب مغادرة وطنهم، وطبيعة استقبالهم في البلد الجديد. في هذه المقالة، أناقش أولا الفقدان الغامض الذي عانى منه الكوبيون الفارّون من وطنهم نتيجة للتغيرات التي أحدثتها الثورة الكوبية عام 1959. ثم أعرض أمثلة توضيحية لمختلف الاستراتيجيات التي استخدمها المنفيون الأمريكيون الكوبيون للتعامل مع حياة من الغموض المزمن والفقدان. وأخيرا، أختتم بتوصيات للباحثين والممارسين من منظور نظرية الفقدان الغامض.
تجربة الأميركيين الكوبيين في الفقدان الغامض
لتوضيح الطبيعة المستديمة مدى الحياة للفقدان الغامض، تم استخلاص النماذج في هذه المقالة من مقابلات سابقة مع الموجات المبكرة من المنفيين الكوبيين – أي أولئك الذين غادروا كوبا بين عامي 1959 و 1971. جميع أسماء من أجريت معهم المقابلات هي أسماء مستعارة[1]. عبر ثلاث دراسات، أجريت بين عامي 2011 و 2013، لكل منها عينة مقصودة، تمت مقابلة 38 فردا تتراوح أعمارهم بين 65 و 97 عاما في نيويورك ونيو جيرسي وشيكاغو وميامي (بيريز ، 2013 ، 2015 ، 2016). كشف هؤلاء الأمريكيون الكوبيون أنهم حافظوا على اتصال مستمر بوطنهم منذ ما يقرب من نصف قرن من وجودهم في المنفى. وبالنسبة لهذه المجموعة من المهاجرين الأمريكيين الكوبيين، تفاقمت صدمة مغادرة كوبا بسبب الغموض المحيط بموعد عودتهم، إن وجد، خلق هذا الغموض على المدى الطويل ضغطا نفسيا مزمنا في أثناء صراعهم مع هويتهم والحداد على فقدان الأصدقاء والعائلة الذين تركوهم وراءهم. وقدم الغموض على المدى الطويل صعوبات عملية تنطوي على متى وكيف يمكن إنشاء جذور ومهن وعلاقات جديدة في الولايات المتحدة.
الأسباب السياسية للمغادرة
غادر الأمريكيون الكوبيون الموصوفون في هذا المقال كوبا لأسباب سياسية. وبغض النظر عن الوضع المالي والاجتماعي في كوبا، فقد شعروا بأنه ليس لديهم خيار سوى مغادرة كوبا بتضحيات شخصية كبيرة. وشملت مبررات المغادرة: السجن، والخوف من السجن، والخوف العام، وعدم القدرة على تحمل التدخلات الحكومية في الحياة اليومية، والضغط الذي لا يمكن الدفاع عنه للانضمام إلى اللجان الحكومية. تضمنت مبادئ نظام الحكم التي أنشأها فيدل كاسترو بعد توليه السلطة، كما أوضح تشي جيفارا في دعوته إلى الإنسان الجديد (El hombre nuevo )، الاعتقاد بأن احتياجات المجتمع يجب أن تفوق حقوق الفرد (Guevara, 1979). وبناء على ذلك قمع كاسترو لتأسيس نظامه العديدَ من الناس والحركات التي عدّها معادية للثورة. وقد احتفظ المهاجرون الأمريكيون الكوبيون، وخاصة أولئك الذين شهدوا أعمال عنف خلال تلك الحقبة، بخوف من الانتقام الذي لا يزال قائما لديهم حتى يومنا هذا.
لم يكن لدى العديد من الأمريكيين الكوبيين تسامح يذكر مع التغييرات التي كانت تحدث في كوبا، وهي تغييرات عدّوها راديكالية. على سبيل المثال، أوضح لالو، الذي أمضى 10 سنوات في ظل الحكومة الثورية قبل أن يتمكن من مغادرة كوبا في عام 1969، أنه وعائلته لم يكونوا على استعداد للمشاركة في اللجان الحكومية المشكّلة حديثا (لجان الدفاع عن الثورة)، المكلفة بالحفاظ على النظام المحلي ونقل أيديولوجية الحكومة (Chaffee & Prevost, 1992). شعر العديد من الأمريكيين الكوبيين الذين رفضوا المشاركة في اللجان بأنهم مستبعدون من الحياة المدنية. عجّل هذا رغبتهم في المغادرة. وبالنسبة للياندرو أيضا، لم يكن دعم تغييرات الحكومة خيارا مقبولا. وهو يعتقد أن قراره بعدم المشاركة في لجنة أدى إلى تكتيكات إقصائية بل عقابية من جانب المجموعات في مكان عمله.
وشملت الأسباب الأخرى للمغادرة الاضطرابات غير المرغوب فيها التي أدت إلى تغييرات كبيرة في حياة العمل. وشملت التدخلات الحكومية مصادرة الممتلكات وتخفيض الحريات المدنية. على سبيل المثال، عندما أممت الحكومة الملكية الخاصة، لم يعد رجال الأعمال قادرين على مواصلة مسارات عملهم. كان لا بد من تسليم أعمال عائلة سونيا، ومصنع والد جيرارد، ومتجر والد إيرما، ومزرعة عائلة مينيرفا العريقة إلى الحكومة لغرض إعادة توزيع الثروة.
تذكُر طرائق وظروف المغادرة
على الرغم من أن الأمريكيين الكوبيين الذين وُصفت تجاربهم في هذه المقالة تفاوتت أعمارهم في وقت المغادرة، إلا أنهم يتذكرون بوضوح اليوم الذي غادروا فيه. غادروا على متن قارب أو عبّارة. ودخل بعضهم الولايات المتحدة مباشرة. دخل آخرون بشكل غير مباشر عن طريق الهجرة إلى بلدان أخرى أولا. في بعض الأحيان لم يكن خيار المغادرة خاصا بهم تماما.
جاء أربعة عشر ألف طفل غير مصحوبين بذويهم إلى الولايات المتحدة من عام 1960 إلى عام 1962 من خلال عملية بيتر بان، وهو جسر جوي نظمته الجمعيات الخيرية الكاثوليكية (De Los Angeles Torres, 2003). كانت كارمن واحدة منهم. كانت تبلغ من العمر 15 عاما عندما غادرت كوبا في عام 1961 مع شقيقتها الصغرى. وبالنظر إلى أن الأشقاء الأمريكيين الكوبيين الآخرين انفصل بعضهم عن بعض عند الهجرة عندما أُرسلوا إلى أسر حاضنة مختلفة، شعرت كارمن بأنها محظوظة لوضعها في المدرسة الداخلية الكاثوليكية ذاتها مثل شقيقتها. ومع ذلك، لم يكن الانتقال سهلا. بكت شقيقتها كل يوم خلال الأشهر الستة الأولى. وبالنسبة للبالغين، فإن اختيار المغادرة لم يكن في كثير من الأحيان قرار فرد واحد لأن احترام رغبات الوالدين واحترامهما في تلك الحقبة هما القاعدة. وتحدث بعضهم عن حفلات زفاف “مستعجلة” رتبها الآباء لأنهم عدّوا من غير المناسب لشاب وفتاة غير متزوجين أن يغادرا معا. وفي هذه الحالات، كان قضاء شهر العسل خارج كوبا ذريعة للهجرة.
بمجرد أن قطعت كوبا والولايات المتحدة العلاقات الدبلوماسية في عام 1961، ضاقت فرص مغادرة كوبا، ووصف الأمريكيون الكوبيون الحكومة الكوبية بأنها خلقت حواجز متعمدة أمام الهجرة، فعلى سبيل المثال، طلب من إيلوي، لدى إعلانه عن نيته مغادرة كوبا، أن يؤدي عملا إلزاميا لمدة سنة ونصف في مخيم زراعي. وبالمثل، تذكرت توماسا كيف كان على زوجها أن يخدم مدة 3 أشهر في la agricultura (معسكر عمل زراعي) في ظروف مريعة، ونادرا ما سمح للأفراد الذين يخدمون في معسكرات العمل بزيارة منازلهم، مما خلق ضغطا ومشقة كبيرين على العمال وأسرهم.
وفي عام 1965، بدأت هجرة جماعية من الكوبيين إلى الولايات المتحدة عن طريق البحر، وغادروا ميناء Camarioca الكوبي، أدى هذا النزوح إلى ما سمي آنذاك “رحلات الحرية”، إذ وافقت الولايات المتحدة لفترة محدودة على نقل اللاجئين جوّاً إلى الولايات المتحدة، غير أن هذا الاتفاق حدَّ من الأشخاص الذين يمكنهم السفر؛ إذ استثنى الاتفاق الذين هم في سن الخدمة العسكرية أو الذين تكون مهاراتهم مطلوبة في كوبا من المشاركة (Pedraza-Bailey, 1985).
وسيلة أخرى للسفر إلى الولايات المتحدة بالنسبة للكثيرين، وخاصة أولئك الذين غادروا في أوائل 1970s، كانت عن طريق الهجرة إلى بلد ثالث، وخاصة عن طريق الهجرة إلى إسبانيا من خلال المطالبة بالإرث العائلي. هاجرت مارتا إيلينا إلى إسبانيا بعد أن كانت عارضة أزياء محترفة في كوبا، وهي مهنة اضطرت إلى التخلي عنها، كانت ذريعة إيزابيل لمغادرة إسبانيا هي السفر لقضاء عطلة في أمريكا اللاتينية عبر الولايات المتحدة، وغمرَها الانفعال عندما تذكرت اللحظة المحورية عندما لجأت إلى هذا البلد. وبينما كانت مجموعتها السياحية تسافر بين مطارات نيويورك بالحافلة لتغيير الرحلات الجوية[2]، وجدت الشجاعة لقيادة مجموعتها خارج الحافلة في إحدى المحطات. كانوا قادرين على البقاء في الولايات المتحدة، وتصدرت محنتهم عناوين الصحف الوطنية.
وبمرور الوقت، قلّت الفرص المتاحة للمواطنين الكوبيين لمغادرة كوبا. بالنسبة لبعضهم، لم يكن هناك ملاذ يُذكر سوى محاولة المغادرة عن طريق الرحلات البحرية الخطِرة. على سبيل المثال، حاولت ماتيلد المغادرة مع زوجها وأطفالها الصغار وغيرهم على متن طوف مطاطي، لكن السلطات ألقت القبض عليهم. سُجن زوجها وآخرين لمدة سنتين. وعلى الرغم من تباين الظروف الفردية، إلا أن المغادرة كانت في كثير من الأحيان صعبة من الناحية اللوجستية ومرهقة جداً لمعظم المنفيين الأمريكيين الكوبيين والعائلات التي تركوها وراءهم.
مشاعر متناقضة عند الرحيل وسط غموض مستقبلي
وصف العديد من الأمريكيين الكوبيين مغادرتهم كوبا بأنها حدثت وسط مناخ من الخوف والغضب وعدم اليقين القلق بشأن المستقبل وحول إذا ما كان سيسمح لهم أصلاً بالمغادرة، أولئك الذين غادروا في أوائل 1960s يتذكرون اعتقادهم في ذلك الوقت أنهم كانوا يغادرون وطنهم مؤقتا فقط، توقعوا أن تتحسن الحالة السياسية في غضون أشهر وأن يتمكنوا من العودة في غضون نصف عام، وبعد أن اعتقدوا في البداية أنه سيتم لمّ شملهم بسرعة مع أحبائهم، عانى عدد قليل منهم من مشاعر الذنب عند مغادرة كوبا.
وإلى جانب التوتر الذي عانوا منه قبل مغادرتهم، أفادوا أيضاً بأنهم عانوا من الخوف وقت المغادرة بسبب القيود التي فرضتها الحكومة الكوبية على السفر خارج كوبا، ولأن الحكومة لم تسمح إلا بقائمة قصيرة من المتعلقات الشخصية عند المغادرة، سادَ القلق بشأن احتمال احتجازهم ومصادرة السلطات أشيائهم الشخصية. ويحتاج المهاجرون إلى المغادرة بممتلكات مادية قليلة أو معدومة. وغادر بعضهم ومعهم 5 بيزو كوبي فقط[3] في جيبهم. وأشار جوليان إلى أن السلطات صادرت مجوهرات عائلته الثمينة في المطار. أجريت مقابلات الخروج من المطار في بعض الأحيان فيما كان يعرف باسم بيسيرا (حوض السمك). لا يزال فيلو يتذكر بوضوح خوفه عندما تم رفض منحه تأشيرة المغادرة في البداية. استغرق الأمر منه عدة أيام لتوضيح إجاباته عن أسئلة السلطات حتى تسمح له بالمغادرة.
بالنسبة لمعظم الأمريكيين الكوبيين، الظروف المجهدة التي أدت إلى المغادرة وعدم اليقين بشأن موعد عودتهم اضطرتهم إلى وداع متوتر مع أفراد الأسرة، كان الوداع المتوتر والعاطفي والمفاجئ صعباً بشكل خاص بالنسبة لأولئك الذين لم يتم لمّ شملهم مرة أخرى مع أحبائهم، تذكرت إيزابيل بعاطفة وداعها الجاف لوالدتها. لم يكن لديها أي فكرة وقت المغادرة أنها لن تتمكن أبدا من رؤية والدتها مرة أخرى. وقد طاردت الظروف الطارئة لنفيهم والتوترات عند المغادرة الأمريكيين الكوبيين الذين شملهم بحثنا لعقود.
الانفصال العائلي
وكثيرا ما وصف الأمريكيون الكوبيون سنوات المنفى الأولية بأنها الأسوأ، ويرجع ذلك -إلى حد كبير- إلى ضغوط الانفصال عن أحبائهم، فعلى سبيل المثال، أرسل والد سونيا أسرته إلى الولايات المتحدة أثناء بقائه في كوبا، وكان يتوقع أصلا عودتهم إلى كوبا، ومع ذلك، فإن غزو خليج الخنازير الفاشل في عام 1961 كان يعني له بوضوح أنه لن يكون هناك أي تغيير في حكومة كوبا قريبا. واختار مغادرة كوبا بدلا من ذلك.
وما فتِئت العلاقات بين الولايات المتحدة وكوبا متوترة باستمرار منذ عام 1959، مما حدّ من فرص زيارة كوبا وجعل الاتصال المستمر مع الأفراد الذين ما زالوا يعيشون في كوبا أمرا صعبا. ولم تسمح كوبا برحلات العودة التي يقوم بها المنفيون حتى عام 1979. أسهم ذلك في انقطاع التيار الكهربائي مدة طويلة عن عدد من أفراد الأسرة، كما هو الحال في قصة الشابة خيمينا. ولأن الأمريكيين الكوبيين لم يسمح لهم بالعودة إلى كوبا على الإطلاق لمدة 10 سنوات تقريبا بعد رحيل خيمينا، فإنها لم تتمكن من رؤية والدتها خلال تلك الفترة. وفي بعض الحالات، فقد الأمريكيون الكوبيون كل اتصال مع من بقوا في الجزيرة. توفي العديد من أفراد الأسرة الذين تركوهم وراءهم قبل إجراء أي اتصال مرة أخرى. بالنسبة لبعض الأميركيين الكوبيين، فإن العودة إلى كوبا ستكون خطيرة. على سبيل المثال، حُذّر رولاندو من العودة لأنه كان سجينا سابقا في خليج الخنازير. وقال إنه يريد أن يبقى على اتصال مع أسرته في كوبا، ولكن القيام بذلك لم يكن خيارا ممكناً، فعندما كان يحاول الاتصال بالمنزل، كان الاتصال ينقطع، وكحَلّ مؤقت، كان يمكنه في بعض الأحيان أن يعهد إلى صديق ليقوم بالمكالمة نيابة عنه.
وكانت آثار الفقدان الغامض واضحة بشكل خاص بين الشباب، مثل كارمن، الذين اضطروا إلى ترك والديهم وراءهم في كوبا عندما هاجروا بمفردهم إلى الولايات المتحدة، يُفهَم الارتباك المزمن حول متى يرون والديهم مرة أخرى والدور الذي سيؤدونه في حياتهم أداءً أفضل من خلال عدسة نظرية الفقدان الغامض، وأعربت كارمن عن حيرتها وهي تتكيف مع التغيرات الدراماتيكية والمفاجئة في الثقافة ونمط الحياة، لكنها أعربت أيضا عن امتنانها للتعاطف والرعاية التي أظهرها القائمون على مدرستها الداخلية في الولايات المتحدة. انضم والداها في نهاية المطاف إليها وشقيقتها في الولايات المتحدة. ومع ذلك، وبعد مدة وجيزة، انتقلت أسرتها إلى بلد آخر بحثا عن فرص عمل أفضل. لم تكن كارمن سعيدة في هذا البلد الآخر واتصلت بالجمعيات الخيرية الكاثوليكية لمعرفة إذا ما كان بإمكانهم مساعدتها على العودة إلى الولايات المتحدة. وبمساعدتهم ودعمهم المستمر، عادت إلى الولايات المتحدة والتحقت بالجامعة. عادت شقيقتها أيضا إلى الولايات المتحدة، ولكن إلى ولاية مختلفة. على الرغم من أن كارمن لم تذكر صراحة أن لديها تناقضا بشأن انفصالها عن والديها، إلا أن سلوكها يشير إلى ذلك. كانت تحن إلى والديها عندما انفصلت عنهما. في الوقت نفسه، طورت ارتباطات قوية في الولايات المتحدة. اختارت لاحقا أن تجعل الولايات المتحدة وطنها حتى عندما كان لديها خيار العيش مع والديها في بلد آخر.
يسلط كل من Reiss and Oliveri (1991) and Boss (2006) 6 الضوء على أهمية فهم سياق المجتمع ومعاييره عند دراسة كيفية استجابة الأفراد والأسر لضغوط الفقدان الغامض وغيرها من التجارب المؤلمة. على الرغم من أن العديد من الأمريكيين الكوبيين عبّروا عن تجارب حادة من القلق والحزن والإحباط والغضب بشأن مغادرتهم كوبا، إلا أنهم لم يشيروا صراحة إلى الشعور بالذنب، لقد أعربوا عن مشاعر معقدة من الندم والإحباط عندما فكروا في الانقطاع المأساوي للعلاقات الحميمة.
يمكن أن يمنع الفقدان الغامض سيرورة الحزن الصحي، وخاصة حين لا تُسمّى المشكلة بوضوح. تشير أدبيات الفقدان الغامض الحالية إلى أن وجود مشاعر متناقضة واكتئاب يمكن أن يؤدي إلى القلق، والشعور بالذنب، واضطراب طويل الأمد في نوعية الحياة (Boss، 2006). على سبيل المثال، انهمرت دموع فلورا وهي تتذكر كيف كانت تغني الأغاني التي غنتها لوالديها اللذَين تركَتْهما وراءها في كوبا في أثناء أدائها لوظيفتها الأولى في الولايات المتحدة. وكذلك عانى جيرارد من الوحدة في السنوات الأولى من حياته في الولايات المتحدة. قالت سونيا إنها بكت مدة شهر بعد الهجرة: (بكيت مدة شهر بلا انقطاع بعد أن غادرت كوبا لأنني لم أكن أرغب في المغادرة). بالنسبة لسوزي، كان الانفصال وعدم اليقين بشأن موعد لمّ شملها مع العائلة والأصدقاء الذين تركوا وراءهم في كوبا مؤلما للغاية لدرجة أنها قررت طلب المساعدة المهنية من معالج. إن عدم قدرتها على البقاء على اتصال مع أحبائها في كوبا جعل من الصعب اعتبارهم جزءا من دائرة عائلتها. في بعض الأحيان أرادت أن تتجنب التفكير في الماضي فقط.
عدم وجود ختام مدى الحياة
إن الابتعاد عن الأحباء والشعور بالاضطرار إلى الابتعاد عن كل ما هو محبوب ومألوف هو سمة من سمات الفقدان المؤلمة للمهاجرين، يعاني المنفيون الأمريكيون الكوبيون أيضا من الارتباك وعدم اليقين السائدَين والمستمرَين، إن الغموض المحيط بفقدانهم الصادم للوطن يجعل تجربتهم مثالا قويا على الفقدان الغامض. أسهم الفقدان السريع للمكانة الاجتماعية والفرص الاقتصادية والحريات الشخصية في مشاعر الغموض والغضب والخوف. وقد انتشرت بينهم أسئلة “ماذا لو” التي يضرب بها المثل فيما يتعلق بالحياة المبتورة في كوبا. ماذا كان سيحدث لو لم أكن مجبرا على ترك أصدقائي وعائلتي؟ ماذا لو قلت وداعا بشكل صحيح؟ ماذا كان سيحدث لو تمكنت من الاحتفاظ بأعمالي العائلية؟ مسيرتي المهنية الأصلية؟ ماذا كان سيحدث لو تمكنت من الحفاظ على نمط الحياة الذي أعتز به في كوبا؟.
لم يكن من الممكن الحصول على إجابة مُرضية على هذه الأسئلة، ومع ذلك لا تزال الأسئلة قائمة وتثقل كاهل العديد من الأمريكيين الكوبيين حتى وهم يواجهون تحديات جديدة في الولايات المتحدة. معظمهم يقتربون الآن من نهاية حياتهم ومع ذلك لم يعودوا أبدا إلى وطنهم – ولا للزيارة. وذكر بعضهم أنه لم يعد لديهم أحباء يزورونهم في كوبا. وذكر آخرون أنهم رفضوا العودة لأسباب أيديولوجية – فهم لن يعطوا (قرشاً واحداً) لحكومة كاسترو.
واستمرت المخاوف التي عانوا منها قبل مغادرة كوبا لفترة طويلة بعد الهجرة وأثرت على تناقضهم بشأن العودة.
في هذه المجموعة من الأمريكيين الكوبيين، تم لمّ شمل الكثيرين في نهاية المطاف مع عائلاتهم الذين هاجروا أيضا من كوبا. ويأمل آخرون منذ عقود أن تتغير الحكومة الكوبية، ولم يروا عائلاتهم مرة أخرى. العديد من أفراد أسرهم ماتوا الآن أو فقدوا أي اتصال بهم. لقد كان الانتظار الذي لا نهاية له للعودة غير المؤكدة إلى الوطن صادما لهذه المجموعة من الأمريكيين الكوبيين ولأحبابهم الذين تركوهم وراءهم.
الهوية والانتماء مع التثاقف Acculturation
وبالنظر إلى المناخ السياسي المحيط بمغادرتهم كوبا والتغير الكبير في الوضع الاجتماعي وتقلُّص الفرص التي يعيشها الكثيرون في أثناء التثاقف، عانى الأمريكيون الكوبيون أيضاً بخصوص هوياتهم وشعورهم بقيمة الذات. (Berger & Luckmann, 1991; Gergen, 1994; Mead & Strauss, 1956; Reiss, 1981)، ومما يتضح أيضاً في نظرية الفقدان الغامض، من خلال تركيزها على فهم المعنى الذي ينسبه الأفراد إلى تجربة الفقدان، وهو أمر مفيد في فهم التجربة الكوبية الأمريكية. تتأثر هويات الأفراد بقوة بتصورات ومواقف الأشخاص المحيطين بهم. وصف الأمريكيون الكوبيون الذين تمت مقابلتهم بوضوح تجربة أن ينظر إليهم بطريقة واحدة في كوبا وبطريقة مختلفة في الولايات المتحدة. وكما لاحظت بوس (2006)، “عندما يحدث فقدان غامض، يصبح الارتباك في الهوية استجابة طبيعية لحالة غير طبيعية” (ص 116).
تم تحديد بعض المهاجرين على أنهم كوبيون، وبعضهم على أنهم أمريكيون كوبيون، وبعضهم أمريكيون. قال لياندرو، “Yo Soy Americano” أي: أنا أمريكي باللغة الكوبية/الاسبانية. على سبيل المثال، قال لالو إنه كوبي بالكامل لكنه شعر بأنه “أمريكي” منذ مغادرته كوبا. وقال: “عندما كنت في كوبا، درست اللغة الإنجليزية والتجارة. كنت جاهزاً.كنت أرغب دائما في المجيء إلى هنا [إلى الولايات المتحدة]”. وعلى النقيض من لالو، لطالما عرفت سونيا بأنها “كوبية” أولا وأمريكية ثانيا: “جذوري وجنسيتي كوبية ولن يسلبها مني أحد”.
وبالنظر إلى العلاقة الوثيقة التي كانت قائمة بين الولايات المتحدة وكوبا قبل عام 1959، فإن اختيار هوية لالو ليس مفاجئاً تماماً، وعلى الرغم من أن كوبا كانت تعاني من مستويات عالية من التفاوت في الدخل وكان يديرها ديكتاتور يدعى Fulgencio Batista,، إلا أن الأمريكيين الكوبيين الذين أجريت معهم مقابلات وصفوا الاقتصاد الكوبي قبل عام 1959 بأنه مزدهر ومشابه للنظام الرأسمالي للولايات المتحدة. كان لدى كوبا منتجات استهلاكية وسيارات وأنماط معيشة مشابهة لتلك الموجودة في الولايات المتحدة (Pérez, 2008). أن تكون كوبيا يشعرك بالتشابه مع كونك “أمريكيا”. بمجرد حدوث الثورة، تغيرت الحياة التي تمتع بها العديد من الأمريكيين الكوبيين الذين تمت مقابلتهم، تغيرت بسرعة وبشكل كامل. وحتى عندما تمكنوا من استعادة ثروتهم في الولايات المتحدة، كافح العديد من الأمريكيين الكوبيين مع تغيير الشعور بالوضع الاجتماعي. في المقابل، يسهم هذا التغيير في الوضع الاجتماعي في الارتباك المستمر المرتبط بالفقدان الغامض.
وبالنسبة للأمريكيين الكوبيين الذين يعيشون خارج مناطق مثل ميامي مع وجود كبير للأمريكيين الكوبيين الآخرين، فإن التغيرات في الهوية بعد الهجرة إلى الولايات المتحدة تشكل تحدياً خاصاً. على سبيل المثال، ذكرت رينا أنها لا تستطيع تحمل ما عدّته مشاعر صلبة وقوية ضد كاسترو في ميامي. ومع ذلك، شعرت بالقدر نفسه بأنها في غير مكانها مع الأمريكيين الذين قابلتهم وهم يعيشون في نيو جيرسي. عندما يتعلق الأمر بهويتها، لم تشعر بأنها تناسب أي مكان: “Niaquí niallá [لا هنا ولا هناك] … إنه شعور صعب يصعب التعامل معه…. إلى أين تنتمي؟”
يرتبط اختيار اللغة ارتباطاً وثيقاً بالهوية، يختار العديد من الأمريكيين الكوبيين التحدث باللغة الإسبانية إلى متحدثين آخرين باللغة الإسبانية، واختار معظم الأفراد الذين قابلتهم التحدث إليّ بلغتهم الإسبانية الأم. على سبيل المثال، أعربت ألبا عن إحباطها من زوجها الناطق بالإسبانية لتحوله إلى اللغة الإنجليزية عندما يتجادلان: “منذ بداية الزواج، عندما تجادلت أنا وماكسيمو، جادلني ماكسيمو باللغة الإنجليزية. كنت أقول بتوتر: لكن لا تتحدث معي باللغة الإنجليزية. أنا أتحدث الإسبانية”. لماذا علينا التحدث باللغة الإنجليزية؟” إن التوتر بين ألبا وماكسيمو حول اللغة التي يجب استخدامها متجذر في السياق الغامض الذي يعيشان فيه الآن – وهو سياق لن توجد فيه قواعد واضحة أبدا لتوجيه اختيارهما للغة. من الناحية المثالية، يتعلم الأزواج المرنون المشاركة في إنشاء أنماط جديدة من التفاعل في سياق غامض بمرور الوقت (Boss، 2006).
والهوية الكوبية، بما في ذلك العديد من تقاليدها وأطعمتها، تنتقل من جيل إلى جيل. يصف معظم الأمريكيين الكوبيين أطفالهم أو أحفادهم بأنهم كوبيون مثل آبائهم، إن لم يكن أكثر من ذلك. ناقشت مايت، التي كان أحفادها مقربين جداَ منها، كيف يعرف أحفادها أنفسهم على أنهم كوبيون، حتى أولئك الأحفاد الذين لديهم والد واحد فقط كوبي، وأكدت مايت على مدى حب أحفادها للطعام الكوبي. وأشارت بشيء من الارتياح إلى أن حفيدتها سألت والدتها ذات يوم: “لماذا لم تتزوج من كوبي حتى أكون كوبية 100٪؟” وبالمثل، قالت لولا أنه الآن بعد أن أصبح ابنها كبيرا في السن، قرر تعلم السالسا ويستمع إلى موسيقى السالسا دون توقف في السيارة: “ما لم يفعله عندما كان شابا يفعله الآن … لديه هاجس لكل الأشياء الكوبية”.
دييغو هو مثال الأمريكي الكوبي الذي حزن على فقدان هويته المهنية والهوية المبنية اجتماعياً التي كان يتمتع بها في كوبا. وعلى الرغم من أنه أعرب عن اعتزازه بإنجازاته في الولايات المتحدة، فما زالت تطارده فكرة أنه بمغادرته كوبا فَقَدَ شيئا كان يعمل عليه طوال حياته. شعر أنه حتى لو كان ناجحا في المنفى، فإن هذا الفقدان لا يمكن استعادته أبدا: “يمكن إعادة بنائه في المنفى لكنه ليس نفس المنزل”.
وفي حالة مماثلة، أعربت ثريا عن حزنها لفقدان هويتها كلاعبة جمباز تحظى باحترام كبير وبارعة مثلت كوبا في المسابقات الدولية. وقد تمتعت بمكانة كبيرة ومكانة اجتماعية في حياتها المهنية كلاعبة جمباز. وحتى بعد أن توقفت عن المنافسة، ظلت تحظى بتقدير جيد في كوبا. بعد انتقالها إلى الولايات المتحدة، كان عليها أن تتعامل ليس فقط مع فقدان وطنها ولكن أيضا مع فقدان هويتها المهنية.
يكافح الأمريكيون الكوبيون أيضاً مع قضايا الانتماء في مجتمعاتهم الأوسع. الشعور بعدم الفهم من قبل الآخرين يجعل تجربة الفقدان الغامض أكثر صعوبة. فعلى سبيل المثال، أعرب دييغو عن رغبته في أن يشرح لغير الكوبيين أن الأمريكيين الكوبيين مهاجرون غير طوعيين. كما أعربت سونيا عن رغبتها في توضيح التجربة المؤلمة للأمريكيين الكوبيين: “إن فقدان المرء لوطنه هو وجع قلب مستمر … ولم يهاجر الكوبيون قط. الكوبي، حتى وقت وصول فيدل، لم يغادر كوبا أبدا”.
سبعون في المئة من الأميركيين الكوبيين يقيمون في ميامي. يسمح هذا التركيز العالي باتصالات ذات مغزى مع الآخرين الذين لديهم تجارب مماثلة. غير أن الأمريكيين الكوبيين يفتقرون في أجزاء أخرى من الولايات المتحدة إلى هذا الدعم المجتمعي ومن المرجح أن يشعروا بالعزلة أو الاغتراب. فعلى سبيل المثال، أعرب سكان شيكاغو ونيوجيرسي الذين أجريت معهم مقابلات عن إحباطهم بشكل خاص لأن التاريخ الحقيقي لكوبا لم يكن مفهوما أو موضع تقدير من قبل الأشخاص الذين يعيشون في الولايات المتحدة.
بين اللاتينيين، موضوع كوبا مستقطب للغاية، والأمريكيون الكوبيون يختبرون هذا على المستوى الفردي. ويعتقد بعض الأمريكيين الكوبيين الذين تمت مقابلتهم أن اللاتينيين الآخرين يركزون على امتيازات الهجرة التي يتمتع بها الكوبيون، مثل سياسة “القدم الرطبة / القدم الجافة “wet foot/dry foot”policy” التي تسمح للكوبيين بامتيازات اللجوء في الولايات المتحدة طالما أنهم يلمسون الأراضي الأمريكية. سوزي، على سبيل المثال، التي تعدّ نفسها شخصاً تكيف بشكل جيد بشكل عام مع حياتها في شيكاغو، لا تزال تشعر بسوء الفهم من قبل اللاتينيين الآخرين. وهي تعتقد أن اللاتينيين الآخرين لا يقدرون التنوع بين الأمريكيين الكوبيين. على سبيل المثال، أشارت إلى أن العديد من الناس، بمن فيهم اللاتينيون الآخرون، يعتقدون أن جميع الكوبيين جمهوريون، في حين أن هذا ليس هو الحال.
يصف الأمريكيون الكوبيون الآخرون الذين عاشوا خارج ميامي أن لديهم معتقدات سياسية أكثر توافقاً مع معتقدات البيض غير اللاتينيين من تلك الخاصة باللاتينيين الآخرين. شعر بعض هؤلاء الأمريكيين الكوبيين الجمهوريين بأنهم مضطرون للدفاع عن اختيارهم للحزب السياسي. واستشهدوا بالطريقة التي تعامل بها الرئيس كينيدي، وهو ديمقراطي، مع خليج الخنازير والطريقة التي ينظرون بها إلى صحيفة نيويورك تايمز على أنها مجدت حكومة كوبا بعد الثورة.
وأشار أولئك الذين يعيشون خارج ميامي أيضاً إلى أنهم رأوا حكماً من أمريكيين كوبيين آخرين لعدم كونهم كوبيين بما فيه الكفاية. كانت فكرة الشعور “بالانفصال” عن الثقافة الأمريكية الكوبية بحكم العيش في شيكاغو واضحة عندما ناقشت لورديس كيف ، عند زيارتها لميامي ، كان ينظر إليها بشكل غير صحيح على أنها ليست كوبيه: ” dicen ‘a pero tú eres venezolana'” (يقولون لي “لكنك فنزويلية”). وبغض النظر عن المكان الذي يقيم فيه الأمريكيون الكوبيون في الولايات المتحدة، فإن الغموض حول كيفية التفاوض بشأن وضعهم غير المؤكد مع وطنهم والتكيف مع الولايات المتحدة كان واضحا في التجارب التي وصفها الأمريكيون الكوبيون.
الخيانة والامتنان
لم تكن كوبا ديمقراطية قبل ثورة فيدل كاسترو، ووعد كاسترو بالديمقراطية التي كان العديد من الكوبيين يتوقون إليها. عندما تحول نظام كاسترو بدلا من ذلك إلى الشيوعية، شعر العديد من الكوبيين بالخيانة. في المنفى، يتذكر العديد من الأميركيين الكوبيين أنهم دعموا أفكار كاسترو للإصلاح الزراعي. ومع ذلك، فهم يعتقدون الآن أن الحكومة الكوبية قبل كاسترو لم تكن سيئة كما كانوا يعتقدون في السابق. وهم يعتقدون أن فولجنسيو باتيستا، الديكتاتور الذي أزاحه فيدل كاسترو، قدم للشعب الكوبي أكثر مما قدمه كاسترو. وهم يصفون الآن مستوى المعيشة في كوبا خلال فترة حكم باتيستا بأنه مريح نسبيا.
ويعرب المهاجرون الأمريكيون الكوبيون أيضا عن امتنانهم للولايات المتحدة لاستقبالها لهم. ومع ذلك، يشعر الكثيرون أيضا بخيبة أمل من الطريقة التي تعاملت بها حكومة الولايات المتحدة مع غزو خليج الخنازير في عام 1961. وكان من المتوقع أن تقدم الولايات المتحدة الدعم الجوي اللازم. وبعدم القيام بذلك، تركت الولايات المتحدة قوة غزو المنشقين الكوبيين عالقين. على سبيل المثال، كان ابن خيمينا ورولاندو اثنين من الجنود الذين تم أسرهم. وسجنوا في كوبا لمدة 22 شهرا إلى أن تفاوضت الولايات المتحدة على إطلاق سراحهم. ووصف جيمينا ورولاندو الظروف في السجون بأنها غير إنسانية وقاسية. لا يزال العديد من الأمريكيين الكوبيين يشعرون بلسعة التخلي عنهم من قِبل الولايات المتحدة.
كيف تعامل الأمريكيون الكوبيون مع الفقدان الغامض
المرونة في مواجهة الفقدان والغموض الصادم تميز حكايات المنفيين الأمريكيين الكوبيين الموصوفة في هذه المقالة. لقد استخدموا مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات للتعامل مع التحديات التي واجهوها أثناء مغادرتهم كوبا ومع عقود من الغموض الذي عانوا منه أثناء انتقالهم إلى الحياة في الولايات المتحدة.
إيجاد المعنى
ناقش العديد من هؤلاء الأمريكيين الكوبيين بشكل عفوي عملية إيجاد معنى في أعقاب الفقدان المؤلم وسياق الغموض المزمن، لقد حزنوا على التجارب الغنية وذات المغزى التي مروا بها في كوبا وأفادوا بأنهم يدركون إدراكاً مؤلماً أنهم لن يتمكنوا أبداً من استبدال “الجنة المفقودة”. ومع ذلك، صرح معظمهم عن عملية لخلق معنى في حياتهم من خلال إنشاء علاقات وهويات ومهن جديدة.
اعتماداً على المكان الذي استقروا فيه في الولايات المتحدة، وصفوا طرقاً مختلفة لإقامة تجارب وعلاقات جديدة. بشكل عام، شعر معظمهم أنهم يفتقرون إلى الإلمام بالأشخاص والأماكن بالإضافة إلى مهارات اللغة الإنجليزية. على سبيل المثال، استقرت عائلة جيرارد في منطقة تعيش فيها عائلة والديه، لكنه كافح من أجل التكيف. في كوبا، كان الجميع يعرفون من هو، ولكن هنا (كنت كلاتيني أفتقر إلى العلاقات) كما يقول. كانت عائلته تقود سيارتها لمسافات طويلة لقضاء بعض الوقت في مناطق نيو جيرسي المعروفة بوجود العديد من الأمريكيين الكوبيين. سمحت لهم العلاقات التي شكلوها مع الأمريكيين الكوبيين الآخرين بتوسيع دوائرهم الاجتماعية وساعدتهم على خلق معنى جديد في الولايات المتحدة. وأشار جيرارد إلى أن أن زيادة إجادة اللغة الإنجليزية ساعدت عائلته أيضا على التوسع اجتماعيا وبناء علاقات جيدة، وكلاهما كان مفتاحاً للعثور على عمل في مجال خبرته والشعور لاحقا بأنه جزء من مجتمع دائم.
تقترح (Boss. 2006) أن الإسنادات الإيجابية المتعلقة بمعنى الفقدان الغامض يمكن أن تساعد الأفراد على العيش مع عدم وجود ختام، وقد ثبت أن هذا صحيح بين الكثيرين الذين ذكروا أنهم وجدوا الراحة في تأطير خسارتهم للوطن على أنها تضحية من شأنها أن تساعد حياة أبنائهم وأحفادهم. وجاء آخرون لينظروا إلى أنفسهم على أنهم ناجون ووجدوا بعض الراحة في هذا الإسناد. على سبيل المثال، تفضل أوراليا في نهاية المطاف العيش في ليبرتاد (الحرية) ولكنها تؤكد أيضا أن ولاءها لوطنها الكوبي لا يمكن أن يسلب منها.
تصف (Boss. 2006) أهمية إلقاء اللوم على الخارج عند الاقتضاء ومن خلال إنشاء مفهوم مشترك للأسباب الجذرية للمعاناة، حدد معظم المنفيين الأمريكيين الكوبيين فيدل كاسترو ونظام حكمه كمصدر خارجي لرحيلهم الصادم عن وطنهم وعقود من الغموض الذي أعقب ذلك. وكمثال على ذلك، ذكر لياندرو، وهو يقارن تجربته بتجارب السكان المهاجرين الآخرين، أنه يعزي نفسه بالتذكير بأن مغادرته كوبا كانت غير طوعية. إنه يتجنب الشعور بالذنب من خلال تذكير نفسه بأن القضايا مع كوبا ليست من فعله: “هذا ليس خطئي يا رجل”.
تشير (Boss. 2006) أن تعلم حمل الأفكار المتضاربة في وقت واحد هو مهارة أساسية لبناء المرونة وخلق معنى جديد بعد الصدمة. كشفت المقابلات التي أجريت مع الأمريكيين الكوبيين الأكبر سناً عن بعض الوعي بالتحول المعرفي اللازم لاحتضان الحقائق المتزامنة المتمثلة في الاعتزاز بالماضي الذي استمتعوا به في كوبا وبناء حياة جديدة في الولايات المتحدة. بالنسبة للكثيرين، كان الشفاء مصحوباً بتحول معرفي بعيداً عن النظر إلى وطنهم على أنه ضائع إلى النظر إليه على أنه ضائع وغير ضائع. وبمرور الوقت، تمكن بعضهم من الاعتراف بأنه على الرغم من أنهم لن يتمكنوا أبدا من العودة إلى كوبا التي يعتزون بها، فإن كوبا، كبلد، ستتحمل. علاوة على ذلك، يمكنهم إعادة إنشاء والاحتفال بتلك الجوانب من الثقافة التي أحبوها أثناء العيش في وطنهم الجديد.
دوزنة السيطرة Adjusting Mastery
تشير (Boss. 2006) إلى العمل الكلاسيكي الذي قام به Pearlin حول العلاقة بين الشعور بالسيطرة والتحكم في حياة المرء والرفاه العام. بشكل عام، فإن دوزنة السيطرة، التي كان يشار إليها سابقا باسم “تلطيف السيطرة “tempering master” ، هو تكيف ويساعد الأفراد على إدارة الإجهاد من خلال زيادة إدراكهم بأن العمل الإنتاجي سيحقق نتائج (Pearlin, Menaghan, Lieberman, & Mullan, 1981; Pearlin, Schieman, Fazio, & Meersman, 2005; Pearlin & Schooler,
1978). توسعت (Boss. 2006) في الموضوع من خلال تسليط الضوء على استثناء مهم للعلاقة الإيجابية عموما بين دوزنة الميل إلى الضبط والتكيف الناجح. في حالة الصدمة والفقدان الغامض، يمكن أن تؤدي التوقعات غير الواقعية حول السيطرة في الحياة إلى الإحباط ولوم الذات غير المبرر بدلا من العمل المنتج. بالنسبة للمهاجرين الأمريكيين الكوبيين، كانت هناك العديد من العقبات التي تحول دون تحقيق الشعور بالتمكن ضمن الظروف المتغيرة.
كانت السنوات الأولى من الهجرة صعبة بشكل خاص على هؤلاء الأمريكيين الكوبيين. الغالبية لم يتحدثوا الإنجليزية عند وصولهم، ولا يزال الكثيرون لا يتحدثون الإنجليزية بطلاقة. ومع ذلك، ساعدتهم غريزة البقاء على إدارة حاجتهم إلى السيطرة على تغيير العمل والوضع الاجتماعي، ووصفوا كيف حاولوا التركيز على أخذ أي عمل يمكنهم العثور عليه والتكيف مع ظروفهم الجديدة.
وتحدث بعضهم عن الحاجة إلى تعديل التوقعات بشأن ما يمكن أن يفعلوه في العالم. وجد جيرارد في البداية عملاً في متجر متعدد الأقسام ثم وجد وظيفة ذات أجر أفضل في مصنع للسيارات. دفع المصنع تكاليف تعليمه في الليل والتحق بدراسة “علم التربية”، وهو تخصص دراسي أدى إلى مهنة جديدة. تحدث بعضهم عن كيفية تقسيم عملهم في سعيهم لتغطية نفقاتهم. وتعتني النساء بالأطفال بينما يجد الرجال عملا. بينما استثمر جيرارد في حياته المهنية في الليل وعمل في النهار، تولت زوجته واجبات منزلية. تمكنت ماتيلد من العثور على عمل في رعاية الأطفال بعد 6 أشهر ثم عملت في شركات الإلكترونيات والمتاجر الكبرى لمدة 15 عاما قبل تقاعدها.
للأفراد الذين حققوا الكثير من الإنجازات المهنية والشخصية في كوبا فقد كان من المحبط لهم الشعور بأنهم يندفعون إلى وضع جديد يفتقرون فيه إلى المعلومات والتأثير على حد سواء. ووصف الحاصلون على شهادات طبية وقانونية الصعوبات في إعادة التحقق من صحة أوراقهم ومعادلة شهاداتهم، واضطر بعضهم إلى تغيير مهنتهم. على سبيل المثال، لم يتمكن جوليان من إعادة التحقق من صحة أوراق اعتماده الطبية بسبب شرط الجنسية للترخيص. بعد اجتياز العقبات المهنية لعدة سنوات ، تمكن من إعادة بناء مهنة طبية متميزة. وبالمثل، كان فيلو محامياً عاماً بارزاً في مجتمعه المحلي في كوبا. وبمجرد وصوله إلى الولايات المتحدة، لم يعد ترخيصه لممارسة المحاماة صالحاً. كان افتقاره الأولي إلى إتقان اللغة الإنجليزية أيضا عائقاً أمام العثور على عمل. بعد عدة محاولات فاشلة لاجتياز امتحان اللغة الإنجليزية، نجح في النهاية واستمر في الحصول على وظيفة كمدير حالة Caseworker في مدينة نيويورك. ودفع صاحب العمل تكلفة درجة الماجستير في العمل الاجتماعي، مما سمح له بالحصول على ترقية.
أدت النكسات وخيبة الأمل في حياتهم المهنية إلى تفاقم مشاعر الحنين إلى الوطن وجعلت الانتقال إلى الحياة في الولايات المتحدة أكثر تحدياً. خاصة بالنسبة لأولئك الذين اعتادوا على شعور قوي بالسيطرة على حياتهم العملية، خلقت هذه النكسات ضغوطاً وتحديات لاحترام الذات. لم يكن العمل الشاق بدون مرونة كافياً لأن الأوقات والظروف تتغير بسرعة. أولئك الذين طوروا نهجاً أكثر مرونة للعمل، واغتنام الفرص وبنائها قدر الإمكان، كانوا في نهاية المطاف أسعد وأنجح والواقع أن القدرة على التكيف والازدهار في نهاية المطاف استجابة للإجهاد أصبحت مصدر فخر لعدد من الأميركيين الكوبيين.
الحفاظ على الهوية وإعادة تعريفها
تتفاعل المجتمعات والأسر والأفراد لتشكيل هويات بعضهم لبعض بمرور الوقت. لقد تعمد المهاجرون الأمريكيون الكوبيون رعاية العديد من جوانب هوياتهم الكوبية حتى مع توسيع هوياتهم لاستيعاب تجاربهم الجديدة التي يعيشونها في الولايات المتحدة. يشار إلى الحفاظ على شعور قوي بالهوية الكوبية باسم “Cubanicity”.
إن المجتمع متنوع العرقيات الموجود في جنوب فلوريدا يوفر للأمريكيين الكوبيين طريقة للحفاظ على ثقافتهم الكوبية. وصف Lalo منطقة Hialeah، فلوريدا، بأنها كوبيتا (كوبا الصغيرة)، وذكر أنه يفضل بالفعل العيش في كوبيتا على أرضه الأصلية. تشتهر ميامي على نطاق واسع بوجود أغنى تركيز للثقافة الكوبية في الولايات المتحدة، والعديد من الأمريكيين الكوبيين الذين لا يعيشون في ميامي يسافرون إلى هناك للبقاء على اتصال بالثقافة الكوبية. بعض الشركات في ميامي قريبة من نسخ طبق الأصل من الشركات التي كانت مملوكة في كوبا. يصف عدد من الأمريكيين الكوبيين ميامي بأنها توفر العديد من الفرص للمشاركة في الأنشطة الكنسية والمدنية والاجتماعية مع الأمريكيين الكوبيين الآخرين الذين يشاركونهم التقاليد اللغوية والثقافية. وفي إحدى المنظمات، لدى الأعضاء خطط عمل وأدوار ملموسة لمساعدة كوبا على تشكيل حكومة ديمقراطية. تكمن أهمية هذا الأمر على المستوى النفسي في الاحتفاظ بالأمل، وبالمشاعر الإيجابية الأخرى التي يولدها مجرد كونهم لا يزالون قادرين على وضع خطط للمستقبل وأنهم جزء منه.
تسلط (Boss. 2006) الضوء على أهمية الطقوس في مساعدة الناس على العثور على معنى في الفقدان. ويعد الحدث السنوي الحنين إلى كوبا Cuba Nostalgia، في ميامي مثالا على طقوس مجتمعية لديها نية صريحة للحفاظ على الجوانب العزيزة من الثقافة الكوبية والاحتفاء بها منذ حقبة ما قبل عام 1959. يتميز الحدث بالتذكارات والتحف التي تجسد الحنين إلى الماضي والموسيقى، والطعام، والفنون والأدب. في الحنين إلى كوبا، يمكن للأمريكيين الكوبيين المشاركة في comparsas (رقصات تشبه المهرجانات) وغيرها من أحداث الحنين إلى الماضي التي تم تصميمها لإعادة إحياء الماضي في الوقت الحاضر.
ووجد الأمريكيون الكوبيون الذين يعيشون خارج ميامي طرقاً لرعاية جوانب من هوياتهم الكوبية. تشتهر أجزاء من نيوجيرسي بوجود متاجر ومطاعم تعكس التراث الكوبي. تستضيف نيويورك ونيوجيرسي عددا من المنظمات المزدهرة التي تركز على الحفاظ على الفنون والثقافة والتاريخ الكوبي. توجد منظمات للأطباء الأمريكيين الكوبيين وغيرهم من المهنيين في شيكاغو. توجد منظمات خريجي مدارس أو معاهد محددة ومنظمات مهنية في كوبا في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
وعلى المستوى الفردي والأسري، يبقى الماضي حياً في منازل الأمريكيين الكوبيين من خلال التذكارات الكوبية المعروضة بعناية. على سبيل المثال، كشفت غلاديس في نيو جيرسي عن rinconcito cubano (زاوية كوبية صغيرة). عرض كارلوس وراؤول بفخر مجموعتهما من الأعمال الفنية والخرائط والصور الكوبية. تستخدم الأجيال الأكبر سناً التذكارات لتثقيف الأجيال الشابة حول الجوانب العزيزة من التراث والثقافة الكوبية التي يرغبون في الحفاظ عليها. إن نقل هذه التذكارات ماديا، الغنية بالمعنى الموروث، هو وسيلة ملموسة لنقل الهوية إلى الأجيال القادمة.
وقد سهلت الشبكات والموارد المتاحة للوافدين الكوبيين الأوائل تكيفهم ومهدت الطريق لموجات لاحقة من الأمريكيين الكوبيين (Portes & Stepick, 1994). لاحظ العديد من الأمريكيين الكوبيين بفخر أنهم تمكنوا من دعم الأجيال القادمة داخل وخارج أسرهم المباشرة. بغضّ النظر عن المكان الذي يعيشون فيه في الولايات المتحدة، يناقش الأمريكيون الكوبيون بفخر إسهامهم في بناء مدينة ميامي. إن فخرهم بإنجازاتهم الفردية والجماعية بمنزلة قوة إيجابية إلى حد كبير في تجربتهم في المنفى. أصبح تقديم الدعم العاطفي والملموس للأجيال القادمة جزءا من هويتهم الكوبية الأمريكية.
تطبيع التناقض Normalizing Ambivalence
من خلال مشاركة تجاربهم في الفقدان الغامض مع الأميركيين الكوبيين الآخرين الذين يمكنهم فهم محنتهم، يستطيع الأميركيون الكوبيون إيجاد طرق مريحة لتطبيع مشاعرهم من الحنين إلى الماضي الذي لا ينتهي أبدا، والحداد، والإحباط، وعدم اليقين. وقد حدث هذا التقاسم للمشاعر والتحقق المتبادل من معايشة التناقض تجاه كوبا بعدة طرق.
وعلى نطاق واسع، كان الأدب الشعبي ووسائل الإعلام مؤثرين في تعزيز وعكس تراث الأمريكيين الكوبيين المتناقض. يعد كتاب Gustavo Pérez العام المقبل في كوبا” وكتاب Carlos Eire “في انتظار الثلج في هافانا” مثالين على الأعمال الأدبية للمؤلفين الذين عبّروا تعبيراً واضحاً عن عدم اليقين المحيط بالعودة إلى وطنهم الكوبي والشعور المستمر بالإحباط والفقدان واللوعة. هناك أيضا مجموعة من الموسيقيين المشهورين الذين تعكس أعمالهم مفاهيم مماثلة عن التناقض تجاه كوبا. قامت Gloria Estefan والطفل المهاجر Willy Chirino الذي لعب دور بيتر بان، بتأليف عدد لا يحصى من الأغاني التي تحاكي مشكلات حياة مجتمع المنفى.
في بعض الأحيان ينعكس التناقض حول كوبا في الطريقة التي يتحدث بها الأمريكيون الكوبيون عن كوبا للأجيال الشابة. على سبيل المثال، تتجنب غلاديس عموما مناقشة كوبا مع أطفالها أو أحفادها. اغرورقت عيناها بالدموع عندما وصفت مناسبة ساعدت فيها أحفادها بتقرير عن كوبا للمدرسة. في المقابل، شجعت أوداليس أحفادها على الفخر بثقافتين من خلال إيلاء اهتمام متساو لكوبا والولايات المتحدة على جدار تذكاري في منزلها في شيكاغو. يركز بعض الأمريكيين الكوبيين عمدا على ذكر الجوانب الإيجابية لكوبا بدل الجوانب السلبية عند وصف وطنهم لأولئك الذين لم يختبروه بشكل مباشر. ويحاول آخرون نقل الواقع الكامل والمعقد لتاريخ وطنهم إلى الأجيال القادمة.
مراجعة التعلق Revising Attachment
المزيج المعقد من العواطف الذي يجعل مسار الحزن “الطبيعي” مستحيلاً هو في قلب تجربة الفقدان الغامض. على الرغم من أن بعض المنفيين الأمريكيين الكوبيين علموا لاحقا بوفاة أحبائهم الذين تركوا وراءهم، إلا أن عدم اليقين وعدم الختام كانا القاعدة. عندما لم يكن من الممكن الحزن، كان عليهم أن يتعلموا ضبط تعلقهم بأحبائهم المفقودين بمرور الوقت من أجل الشفاء وبناء علاقات جديدة في نهاية المطاف.
قليلون هم الذين طرحوا بشكل عفوي قرار “التخلي” أو “المضي قدما” من الأصدقاء وأفراد العائلة المفقودين. ومع ذلك، فإننا نعلم من المقابلات أن معظمهم انتقلوا في النهاية إلى بناء علاقات وارتباطات جديدة. بدا الكثيرون مرتاحين لمناقشة عملية تنمية صداقات جديدة. وقد فعل معظمهم ذلك في أقرب وقت ممكن وعدّوا هذه الصداقات حيوية لبقائهم ونوعية حياتهم. العديد من الذين انفصلوا عن الأزواج أو العلاقات الرومانسية عندما غادروا كوبا تعارفوا مع شركاء جدد في نهاية المطاف بل تزوجوا مرة أخرى في الولايات المتحدة. في أعقاب الفقدانات العميقة، وجدوا مكاسب في شكل محبة الآخرين.
تختلف العلاقات الفردية مع كوبا الحديثة بين الأمريكيين الكوبيين. وقد خلقت هذه الاختلافات في المواقف والممارسات توتراً وارتباكاً عبر أجيال من أفراد الأسرة. على الرغم من أن الكثيرين يستمتعون بسماع الأجيال الشابة تعبّر عن اهتمامها بالثقافة والتاريخ الكوبيين، إلا أن الاستماع إلى رحلة مدروسة أو حقيقية إلى كوبا أكثر استفزازا. على سبيل المثال، وصفت لورديس إصابتها بـ “انهيار” ينطوي على الانفجار المفاجئ للدموع التي كانت مكبوتة سابقاً بينما كانت ترافق ابنتها في زيارة إلى كوبا وتجلس بهدوء في كنيسة قديمة:
كل تلك المشاعر جاءتني عن أجدادي وكل ما حدث. ثم بكيت حقا وكانت تلك هي اللحظة الوحيدة … أحسست بها … لم أشعر بهذا الانفصال الذي كان لدي طوال الوقت لأنه كان مكاناً محدداً أعاد لي الكثير من الذكريات.
يزور بعض الأمريكيين الكوبيين الآن كوبا زيارات متكررة روميو، الذي كان متخوفا من زيارة كوبا، استمتع بتجربة زيارة جيدة لدرجة أنه قام بزيارات متعددة بعد رحلته الأولى. حتى أنه عاد مع أحفاده. وعلى المنوال نفسه ، أشارت إيزابيل إلى أنها تعود لزيارة كوبا كل عامين، معلنة: “أنا لم أغادر كوبا أبداً”.
اكتشاف أمل جديد
ويأمل الكثيرون في تغيُّر حكومة كوبا. ولن يفكر بعضهم في زيارة عودة إلى أن تصبح كوبا دولة ديمقراطية. وعاد آخرون بالفعل إلى كوبا لرؤية أسرهم. يتحدث الكثيرون عن زيارة شاطئ Varadero الخلاب، وإذا أمكن، شراء منزل صغير هناك مع الاستمرار في العيش في الولايات المتحدة. ومن بين أولئك الذين هم منفتحون على زيارة كوبا، أعلن كارلوس عن عزمه على العودة إلى هناك للعيش بشكل دائم إذا أصبحت كوبا ديمقراطية. وكان التقدم في السن عاملا مقيدا في القدرة على العودة إلى كوبا للزيارة أو العيش. وكثيرا ما تذكر الجذور القوية في الولايات المتحدة وعدم الرضا عن الحالة الراهنة في كوبا كأسباب لعدم التفكير في العودة الدائمة.
تناقش Boss (2006) الترابط بين المعنى والأمل في تجربة الفقدان الغامض. إن معرفة من وماذا نأمل بمرور الوقت أمر ضروري للسعادة والمرونة. وفي سياق من الغموض المزمن، فإن ما هو مأمول بمرور الوقت يجب أن يتحول ويتغير. عملية خلق آمال وأحلام جديدة هي عملية إبداعية (Boss، 2006). تقريبا جميع المنفيين الأمريكيين الكوبيين الذين تمت مقابلتهم حافظوا على الأمل لسنوات في أنهم سيعودون إلى كوبا للعيش مع أحبائهم الذين بقوا هناك. ومع مرور الوقت، ومع تطور الأحداث الشخصية والعالمية، مما جعل الآمال السابقة لم تعد واقعية، بدأ الأمريكيون الكوبيون في تشكيل آمال جديدة للكوبيين الذين بقوا في وطنهم.
إن عدم اليقين والارتباك المتأصل المحيط بفقدانهم الغامض أضعف قدرة العديد من الأمريكيين الكوبيين على تطوير آمال وخطط ملموسة للمستقبل. ومع ذلك، فإن القدرة واضحة على التمسك بالذكريات العزيزة لكوبا المثالية قبل عام 1959 مع تطوير بعض الآمال في المستقبل. إن الحداد على ما كان، يتعايش مع فكرة أنه حتى لو توقفت الحكومة الكوبية عن كونها شيوعية، فإن البلاد لن تعود أبدا إلى ما كانت عليه في السابق. يتم تذكر كوبا باسم la perla de las Antillas (لؤلؤة جزر الأنتيل) – وهي دولة كانت على قدم المساواة اجتماعيا واقتصاديا مع الدول الغنية آنذاك في الأرجنتين والولايات المتحدة. وعلى الرغم من هذا الحنين الدائم، بالنسبة للعديد من الأميركيين الكوبيين، بدأ الأمل في كوبا يتحول من الحزن الشخصي إلى “الصالح العام”. واعترافا بأن العودة إلى حقبة ماضية أمر مستحيل، تحول الكثيرون إلى أمل جديد في الحرية في نهاية المطاف للمواطنين الحاليين في كوبا.
كانت العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية الموسعة بين كوبا والولايات المتحدة التي اقترحها الرئيس باراك أوباما في 17 ديسمبر 2014 خارج الإطار الزمني لدراسة الشهادات الموصوفة في هذه المقالة. ومع ذلك، تضمنت المقابلات السابقة سؤالا افتراضيا حول ما يمكن أن يحدث إذا لم يبق فيدل كاسترو وشقيقه راؤول كاسترو، الرئيس الحالي لكوبا، على رأس الحكومة الكوبية. ردا على السؤال الافتراضي، اختارت الغالبية العظمى من الأمريكيين الكوبيين الذين يعيشون في ميامي البقاء في ميامي (بيريز ، 2015). وبالمثل، اختار أولئك الذين يعيشون خارج ميامي عموما عدم العودة إلى كوبا، مشيرين إلى تكيفهم مع الولايات المتحدة كسبب للبقاء. ومن الناحية القصصية، فإن الأمريكيين الكوبيين الذين تمت مقابلتهم من أجل فيلم وثائقي (Vega Pérez & Perez, قيد الطباعة) لديهم وجهات نظر متباينة حول مستقبل كوبا في ضوء ذوبان الجليد في العلاقات بين كوبا والولايات المتحدة. وبغض النظر عن حرارة العلاقات بين البلدين، فإن الألم والمرارة من صراع مدى الحياة مع فقدان غامض للوطن لا يزال قائما بين الأمريكيين الكوبيين الذين تمت مقابلتهم.
فوائد وتطبيقات للممارسين العياديين
إن فهم الطبيعة المستديمة للفقدان الغامض وتقدير النضالات التي ينطوي عليها التعامل مع الفقدان الغامض أمر ضروري لمساعدة المهنيين والمدافعين عن السياسات الاجتماعية الذين يعملون مع مجموعات المهاجرين. تُظهر هذه المجموعة من الأمريكيين الكوبيين أن استراتيجيات التأقلم التي استخدموها متوافقة مع توصيات العلاج التي قدمتها (Boss، 2006). وتشمل الاستراتيجيات الناجحة إيجاد معنى لفقدانهم وبناء العلاقات والحياة في الولايات المتحدة، لقد وضعوا الفقدان في إطار تضحية من خلال التركيز على مساعدة الأجيال القادمة من الأمريكيين الكوبيين. وكان التكيف مع النكسات المهنية تحديا خاصا بالنسبة لهم، ومع ذلك ساعدت المرونة والتصميم الكثيرين على إعادة بناء حياتهم المهنية. مثل هذا المزيج من المرونة والتصميم يؤدي إلى الصمود (Boss، 2006).
بالإضافة إلى ذلك، أعادوا تعريف هوياتهم لاستيعاب شعور موسع بالانتماء الثقافي. كيف يمكنهم أن يعتنقوا تراثهم الكوبي الفخور بينما يظلون معزولين عن وطنهم الكوبي؟ ماذا يعني لهم أن يكونوا كوبيين وأمريكيين على حد سواء؟ أولئك الذين تعاملوا بنجاح أكبر مع هذا التحدي لهويتهم تمكنوا من خلق هوية جديدة ومشاركة هذه الهوية مع الأجيال الشابة. غير أن المشاعر المتناقضة بشأن كوبا وبشأن الصلات بالوطن الكوبي كانت سائدة ومستمرة.
أثبتت القدرة على تغذية وبناء علاقات مُرضية أنها مهارة حاسمة في التكيف. ناقش المنفيون الأمريكيون الكوبيون الشفاء والشعور الأوسع بالانتماء باعتباره مفيدا في القدرة على البحث عن العلاقات والخبرات. وفي نهاية المطاف، يتعاملون مع الفقدان الغامض للوطن من خلال تحويل آمالهم من العودة في نهاية المطاف للعيش في كوبا إلى التمسك بالأمل في أن تتمكن الأجيال الشابة من العيش هناك وتحسين رفاه السكان الكوبيين الحاليين.
إن تقدير جوهر الفقدان الغامض أمر ضروري لتوفير العلاج المناسب ثقافياً للأفراد الذين عانوا من فقدان الوطن. تشير (Boss، 2006) إلى أن الغموض يُتجاهل عادة بوصفه مصدراً للصدمة، حتى بين الباحثين والممارسين في مجال الصدمات. النهج التقليدية لتقديم المشورة بشأن الحزن أو الصدمة قد تضر أكثر مما تنفع. على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي التركيز على إيجاد الختام ونهاية المعاناة، إلى إحباط أولئك الذين يعانون من فقدان غامض لأن الختام غير ممكن أبداً التوصية بالمستحيل يمكن أن تشجع دون قصد على لوم الذات بدلاً من تعزيز الشفاء والتركيز الصحي على تعلم العيش حياة كاملة دون ختام. ومن شأن نهج علاجي مثل النهج الذي أوصت به (Boss، 2006) أن يركز على تشجيع الروابط مع المجتمعات الحالية للأفراد وكذلك دعم الروابط العاطفية الدائمة مع الوطن.
يظهر العلاج السردي كنهج حساس ثقافياً لعلاج الأفراد الذين يعانون من فقدان غامض، بدلاً من تشجيع العملاء على إيجاد الختام حيث لا يكون ذلك ممكناً، يشجع نهج العلاج السردي الأفراد على استكشاف طرق جديدة بشكل خلاق لتفسير قصص حياتهم (Payne, 1996). من خلال سرد وإعادة سرد تجاربهم السابقة وبناء رؤية لمستقبلهم، يمكن للأفراد اكتساب شعور واقعي بالسيطرة على قدرتهم على تفسير ماضيهم وبناء مستقبل ذي مغزى.
قد تشمل تقنيات العلاج السردي أيضاً تشجيع الأفراد على مشاركة قصصهم وتجاربهم مع أفراد أسرهم ( Payne, 1996). قد تكون المشاركة مع العائلة مفيدة بشكل خاص للأمريكيين الكوبيين وغيرهم من اللاتينيين الذين يقدرون العائلة، والتماهي القوي مع العائلات النووية والممتدة كما يتضح من مشاعر الولاء والمعاملة بالمثل والتضامن بين أفراد نفس العائلات (Marin & VanOss Marin ، 1991). يمكن لمشاركة القصص أن تبني التواصل والتفاهم. تتضمن تقنية العلاج السردي البديلة دعوة أفراد الأسرة للمشاركة في حملة كتابة الرسائل يعبّرون فيها عن إيمانهم بالفرد الذي يٌعالَج وثقتهم في قدرة الفرد على المثابرة (باين ، 1996).
تلاحظ (Boss، 2006) الإرث المأساوي للخسائر المؤلمة والغامضة، عندما يستمر الفقدان لعقود ويتحدى الختام، قد يجد الأفراد الذين يعانون من مثل هذا الفقدان تحديا في أن يكونوا متاحين عاطفيا لأفراد أسرهم (Falicov، 2005a). في الوقت نفسه الذي يتوقون فيه إلى الأصدقاء والعائلة الذين تركوهم وراءهم، يتوق أطفالهم وأزواجهم إلى اهتمامهم ودعمهم الذي لا هوادة فيه، وبالنظر إلى الإجهاد المزمن الذي يسببه الفقدان الغامض على أسر الأفراد الذين يعانون من فقدان غامض، فإن التدخلات التي تركز على تعزيز العلاقات الحميمة تبدو مناسبة بشكل خاص، قد تكون النهج السردية التي تمتد إلى ما وراء غرفة العلاج لتشمل الأحباء أكثر فعالية من العلاجات التقليدية، خاصة مع السكان المهاجرين (White, 2004).
التدخل غير التقليدي
مشاعر العزلة شائعة بين الأمريكيين الكوبيين وغيرهم من السكان المهاجرين، غالباً ما يعبّر المنفيون الأمريكيون الكوبيون عن شعور بسوء الفهم من قبل المجتمع الأوسع بغض النظر عما إذا كانوا يعيشون في جيب عرقي كوبي أمريكي مثل ميامي أو في منطقة أخرى من الولايات المتحدة. قد تكون تلبية احتياجات الأفراد الذين عانوا من فقدان غامض فعالة في نهاية المطاف باستخدام التدخلات غير التقليدية. قد تساعد منافذ مثل وسائل التواصل الاجتماعي والأدب الشعبي ومواقع الويب والمشاريع الوثائقية الأمريكيين الكوبيين وغيرهم من المهاجرين على إخبار تجاربهم وروايتها ومشاركتها بطريقة ذات مغزى.
يسعى المشروع الوثائقي المذكور أعلاه للمؤلف الحالي إلى إعطاء أجيال متعددة من المهاجرين الأمريكيين الكوبيين الفرصة لسرد قصصهم الفريدة (Vega Pérez & Perez ، قيد التنفيذ). يستفيد الأفراد الذين عانوا من فقدان غامض معاناة كبيرة من تعلم سرد قصص جديدة عن الأمل والشفاء على الرغم من الغموض. إنّ دعم هذه العملية الإبداعية والفردية من خلال البحث والممارسة السريرية المستنيرة والسياسة العامة والتوعية المجتمعية لديه القدرة على إفادة ملايين الأفراد الذين يعانون من الفقدان الغامض.
علاوة على ذلك، بالنسبة لأولئك الذين يعانون من فقدان غامض بشكل جماعي نتيجة لظروف مماثلة، قد يكون للجهود النفسية والتربوية والسردية واسعة النطاق فوائد واسعة. من المؤكد أن العديد من المؤلفين الأمريكيين الكوبيين قد ساعدوا في تطبيع تجارب زملائهم الأمريكيين الكوبيين من خلال استخدام الأعمال الأدبية، بالتوازي مع مزايا الجهود العلاجية، بما في ذلك العلاج السردي، الذي أوصت به (Boss، 2006). ويمكن أن يشمل العمل مع عامة السكان المهاجرين الأمريكيين الكوبيين الاحتياجات المتزامنة لتذكر كوبا وكذلك للتكيف مع الحياة في الولايات المتحدة.
الآثار المترتبة على السياسات
تتباين وتتدفق أنماط الهجرة ، متأثرة إلى حد كبير بتقلبات السياسة العامة، يعود تاريخ الكوبيين الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة إلى ما قبل ثورة عام 1959، ولكن الدافع للنمو السريع للشتات الكوبي ينبع من سياسات الحكومة التي أنشأها فيدل كاسترو بعد الثورة وكذلك من السياق المواتي لاستقبالهم في الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن موجات مختلفة من المنفيين الكوبيين كانت لها تجارب مختلفة اعتمادا على ظروف تاريخية وشخصية مختلفة.
يجب مراعاة الاختلافات الزمنية والسياقية عند دراسة مجموعات المهاجرين. وتعدّ الموجات المبكرة من اللاجئين الأمريكيين الكوبيين، مثل مجموعة الأمريكيين الكوبيين الذين أجريت معهم مقابلات، قد هاجرت لأسباب سياسية أكثر من الموجات اللاحقة، الذين يُعدّون أنهم هاجروا أكثر لأسباب تتعلق بالصعوبات الاقتصادية (Pedraza, 2002). ومع ذلك، استمر الوافدون الكوبيون الذين وصلوا في وقت لاحق في الحصول على امتيازات الهجرة نفسها التي حصل عليها المنفيون السابقون. إن الاستمرار في السماح للوافدين الكوبيين في وقت لاحق بالاستفادة من وضع اللاجئ السياسي هو مصدر خلاف بين مجموعات المهاجرين الأخرى في الولايات المتحدة.
وربما أثرت الطرق المختلفة التي ارتبط بها الوافدون الكوبيون في وقت سابق ولاحق بوطنهم أيضا ًفي السياسة العامة داخل كوبا نفسها. وفي حين ظلت موجات المنفى السابقة معزولة إلى حد كبير عن وطنها، حافظت الموجات اللاحقة على اتصال أكثر تواتراً مع كوبا. من خلال الحفاظ على علاقة مع كوبا، أتيح لهذه الموجات اللاحقة فرص أكبر للتأثير على السياسة الاجتماعية الكوبية (Eckstein ، 2009). ولتوجيه السياسة العامة في المستقبل، هناك حاجة إلى مزيد من البحوث لفهم التعقيدات التي تواجهها مجموعات المهاجرين المختلفة التي تواجه فقداناً غامضاً.
التوجهات البحثية المستقبلية
هناك فرص وفيرة للاستكشاف فيما يتعلق بتجربة الأمريكيين الكوبيين في فقدان غامض للوطن، وربط هذا الفقدان الغامض بالقوى على المستوى الكلي (بما في ذلك إمكانيات إقامة روابط أوثق عبر الوطنية مع تحسن العلاقات بين الولايات المتحدة وكوبا). يمكن أن يكون استكشاف الاختلافات بين الأمريكيين الكوبيين الذين غادروا الجزيرة في كل موجة من الموجات المختلفة سبلا مثمرة للبحث.
لدى الوافدين الكوبيين الأوائل مقابل القادمين لاحقا صلات مختلفة بوطنهم. وأولئك الذين هاجروا في وقت سابق يميلون إلى الحداد على كوبا قبل عام 1959، في حين أن أولئك الذين غادروا في وقت لاحق يحزنون على كوبا اليوم (Pedraza, 1996). وهذا تمييز هام. يمكن أن يؤثر الاستيعاب المجزأ في التكيف في بلد الاستيطان (Rumbaut، 2008)، وهذا يستدعي الاستكشاف في الدراسات التي تحتوي على عينات كبيرة بما يكفي للسماح بإجراء مقارنات اجتماعية واقتصادية. كان غالبية المهاجرين الكوبيين من الموجات المبكرة من المهنيين المهرة (Suárez & Perez، 2011). عانت الأسر الأمريكية الكوبية الموصوفة في هذه المقالة من خسائر مادية كبيرة من التدخلات الحكومية ووصفت حاجتها إلى المغادرة بأنها غير طوعية. وعلى النقيض من ذلك، فإن المهاجرين الكوبيين الذين غادروا بعد عام 1980 قد تكيفوا بالفعل مع العيش في كوبا ويعتبرون أنهم غادروا لأسباب اقتصادية أكثر منها سياسية (Pedraza, 2002). وتثير التغيرات الناجمة عن ذوبان الجليد في العلاقات بين الولايات المتحدة وكوبا مجموعات جديدة من الشواغل وتؤثر على كيفية تجربة الأمريكيين الكوبيين للفقدان الغامض والتعامل معها. إن معرفة مهارات التأقلم التي وجدها المهاجرون السابقون فعالة يمكن أن تفيد أولئك الذين يتبعونها.
وقد يؤدي السياق داخل البلد المضيف أيضا دوراً في مواجهة الفقدان الغامض. إن العيش بين الأمريكيين الكوبيين الآخرين، كما هو ممكن في محيط ميامي، إذ يمنح المهاجرين الكوبيين المزيد من الفرص للتواصل المتعاطف مع الأفراد الذين يمكنهم مشاركة تجاربهم والتحقق من صحتها. خارج ميامي، هناك احتمالات أقل للعلاقات مع الأميركيين الكوبيين الآخرين. تحدث الأمريكيون الكوبيون الذين يعيشون خارج ميامي عن تحديات التواصل وسوء الفهم من قبل الأمريكيين الآخرين. هناك حاجة إلى مزيد من البحث لاستكشاف العلاقة بين التركيز العرقي المشترك والتعامل الناجح مع الفقدان الغامض للوطن (Perez, 2012). وبالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة إلى مزيد من الاستكشاف لفهم الآلية التي تنتقل بها صدمة الفقدان الغامض دون وعي أو قصد إلى الأجيال اللاحقة، ولفهم ومعالجة احتياجات أفراد أسر الأفراد الذين يعانون من فقدان غامض.
أخيراً، على الرغم من وجود أدبيات وفيرة حول مواضيع التثاقف acculturation، إلا أن هناك ندرة في البيانات حول تأثير الفقدان الغامض على التثاقف. في بلد المهاجرين، مثل الولايات المتحدة، لم يؤدِّ فهم آثار فقدان الوطن دوراً رئيساً في البحث (Matt, 2011). تاريخيا، كان تركيز النظرية والأبحاث حول الهجرة إلى الولايات المتحدة على التثاقف للثقافة المضيفة. هذا التركيز على التثاقف يتناقض تناقضاً حادّاً مع تجربة المهاجرين الذين يحافظون على تواصل بوطنهم من أجل التعامل مع الفقدان الغامض المؤلم. هناك حاجة إلى مزيد من العمل لتقدير كيف يؤثر الحفاظ على اتصال بالوطن على تكيف ورفاهية مجموعة نازحة. يمكن أن تساعد السياسة العامة والتوصيات العيادية المتبصرة بأبحاث الفقدان الغامض في الوصول إلى الأفراد الذين يعانون من أعراض الفقدان الغامض والذين قد يُساء تشخيصهم أو يُتجاهلون بطريقة أخرى.
الخلاصة
إن تجارب الأمريكيين الكوبيين الذين غادروا كوبا بين عامي 1959 و 1971 ويعيشون في الولايات المتحدة تُفهم فهماً أفضل من خلال عدسة نظرية الفقدان الغامض، كما حددتها Boss (2006). تشير تجربتهم إلى أهمية نظرية الفقدان الغامض ليس فقط للتعطيل الغامض لوحدة الأسرة، ولكن أيضا للتعطيل الغامض للتعلق بالوطن نفسه. منذ أن غادروا كوبا وخلال عقود من عدم اليقين التي عاشوها في الولايات المتحدة، كان المهاجرون الأمريكيون الكوبيون يتعاملون مع فقدان مؤلم للوطن عصيّ على الختام. وشعروا بأن الظروف أجبرتهم على مغادرة كوبا، وأن توقعاتهم بالعودة إلى كوبا للعيش لم تتحقق. إنهم يعبّرون عن مزيج من الخوف والغضب والإحباط والحزن وعقود من الشوق وعدم اليقين. كما يعربون عن امتنانهم للولايات المتحدة على استقبالهم الترحيبي وفخرهم بنجاحاتهم في الولايات المتحدة كلاجئين. وفي الوقت نفسه، يعربون عن اعتزازهم المستمر بتراثهم الكوبي. إنهم يحتفظون بحضور نفسي للعائلات التي تركوها وراءهم، ولكن أيضا، على نطاق أوسع، للجوانب الثقافية والتاريخية لوطنهم ما قبل الثورة. لقد كافحوا مع أسئلة حول من كانوا سيكونون وكيف كانت حياتهم ستكون لو بقوا مع أحبائهم في كوبا.
إن إطار الفقدان الغامض مفيد في التعرف إلى المجموعة المعقدة من العواطف واستراتيجيات التأقلم التي كشف عنها المنفيون الأمريكيون الكوبيون وتنظيمها، ولكي نجد معنى لتجربة مغادرة كوبا، يتحدث الكثيرون عن التضامن الذي شعروا به مع زملائهم الأمريكيين الكوبيين فيما يتعلق بالمسبب المتصور لخسارتهم: فيدل كاسترو. لقد اضطروا إلى تعديل إحساسهم بالتمكن من تحديات الحياة للتكيف مع الحقائق المتغيرة في الولايات المتحدة وكذلك مع الغموض المزمن، وظل معظمهم يتوقعون العودة إلى كوبا للعيش، وربما أسهم الحفاظ على هذا التوقع في قدرة هؤلاء الأمريكيين الكوبيين على الحفاظ على هويتهم الكوبية حتى وهم يدمجون جوانب من ثقافة الولايات المتحدة وتراثها في هوياتهم، ومن خلال مستويات عالية من التضامن والدعم بين الأعراق coethnic solidarity، تمكنوا من تطبيع تناقضهم بشأن حاجتهم إلى مغادرة وطنهم وعدم قدرتهم على العودة إليه، وعلى الرغم من أن الكثيرين عزلوا أنفسهم عمداً عن وطنهم وتكيفوا مع الحياة في الولايات المتحدة، إلا أنهم ما زالوا مرتبطين بكوبا التي كانوا يعرفونها ذات يوم. وهم يأملون في أن تتجه كوبا نحو القيم الديمقراطية.
أخيرا، توسع التجارب الموضحة في هذه المقالة تطبيق نظرية الفقدان الغامض على مسار الحياة بأكمله. لقد فرضت الثورة الكوبية ضغوطاً خطيرة على حياة أولئك الذين غادروا كوبا، ولا تزال العواقب المربكة تطارد الأمريكيين الكوبيين مع استمرار التوتر والحزن على مدى حياتهم، إنهم لا يعانون بسبب ضعف داخلي في سماتهم كأفراد أو في علاقاتهم الأسرية، ولكن لأن فقدانهم ليس له أي ختام، وبما أن السياق السياسي المحيط بفقدانهم لا يزال غير مؤكد، فإن نظرية الفقدان الغامض تساعدنا على فهم تجارب الأمريكيين الكوبيين والاستراتيجيات التي استخدموها للتعامل مع حياة من الغموض المزمن.
[1] أثناء الترجمة إلى العربية تم تعديل الأسماء لتصبح أقرب للمتداول من الأسماء الأجنبية لدى القراء العرب (المترجم).
[2] من الطرق المتبعة في السفر عبر بلد ترانزيت أن يسافر المرء من كوبا إلى باريس عبر شيكاغو مثلاً لكن محطته في شيكاغو تتضمن وصوله في مطار، ثم مغادرته لها عبر مطار آخر في نفس المدينة مما يستدعي نقل المسافرين بين المطارين بحافلات مخصصة لذلك. وهذا أيضاً من الطرق التي اتبعها بعض اللاجئين حين يأخذون بطاقة سفر سياحية ترانزيت عبر برلين مثلاً، وبدل المتابعة إلى وجهتهم المعلنة فإنهم يتركون الرحلة ويطلبون اللجوء في ألمانيا (المترجم).
[3] في الوقت الحاضر يعادل هذا المبلغ 0.21 دولار، أو 21 سنتاً، في حين أنه كان يعادل في عام 1960 ثماني سنتات فقط.
References
Batalova, J. (2004). International migrant populations by country of origin and destination, mid-2013 estimates. Migration Policy Institute. Retrieved from http://www.migrationpolicy.org/ programs/data-hub/maps-immigrants-and-emigrants-around-world Berger, P. L., & Luckmann, T. (1991). The social construction of reality: A treatise in the sociology of knowledge. London, UK: Penguin Boss, P. (1999). Ambiguous loss: Learning to live with unresolved grief. Cambridge, MA: Harvard University Press Boss, P. (2006). Loss, trauma, and resilience: Therapeutic work with ambiguous loss. New York, NY: Norton Chaffee, W. A., & Prevost, G. (1992). Cuba: A different America. Lanham: MD: Rowman & Littlefield. De Los Angeles Torres, M. (2003). The lost apple: Operation Pedro Pan, Cuban children in the US, and the promise of a better future. Beacon Press Eckstein, S. E. (2009). The immigrant divide: How Cuban Americans changed the US and their homeland. New York, NY: Routledge Falicov, C. J. (2005a). Ambiguous loss: Risk and resilience in Latino immigrant families. In M. M. Suarez-Orozco, C. Suarez-Orozco, & D. B. Qin-Hilliard (Eds.), The new immigration: An interdisciplinary reader (pp. 197–206). New York, NY: Routledge Falicov, C. J. (2005b). Emotional transnationalism and family identities. Family Process, 44(4), 399–406 Falicov, C. J. (2007). Working with transnational immigrants: Expanding meanings of family, community, and culture. Family Process, 46(2), 157–171 Gergen, K. J. (1994). Exploring the postmodern: Perils or potentials? American Psychologist, 49(5), 412 Guevara, E. (1979). El socialismo y el hombre en Cuba. In J. Aricó (Ed.), El socialismo y el hombre nuevo. Mexico City: Siglo Veintiuno Hondagneu-Sotelo, P., & Ernestine, A. (1997). “I’m here but I’m there”: The meanings of Latina transnational motherhood. Gender & Society, 11(5), 548–571 Levitt,P.(2003).Transnationalvillagers.InJ.Stone& D. Rutledge (Eds.), Race and ethnicity: Comparative and theoretical approaches (pp. 260–273). Malden, MA: Wiley-Blackwell Lindemann, E. (1944). Symptomatology and management of acute grief. American Journal of Psychiatry, 101(2), 141–148 Luster, T., Qin, D. B., Bates, L., Johnson, D. J., & Rana, M. (2008). The Lost Boys of Sudan: Ambiguous Loss, search for family, and reestablishing relationships with family members. Family Relations, 57(4), 444–456 Marin, G., & VanOss Marin, B. (1991) Research with Hispanic populations. In Applied Social Research Methods Series (Vol. 23). Thousand Oaks, CA: Sage Matt, S. J. (2011). Homesickness: An American history. New York, NY: Oxford University Press Mead, G. H., & Strauss, A. L. (1956). The social psychology of George Herbert Mead (A. Strauss, Ed.). Chicago, IL: University of Chicago Press Payne, M. (1996). Introduction. In A dictionary of cultural and critical theory (pp. 1–12). Oxford, UK: Blackwell Pearlin, L. I., Menaghan, E. G., Lieberman, M. A., & Mullan, J. T. (1981). The stress process. Journal of Health and Social Behavior, 22(4), 337–356 Pearlin, L. I., Schieman, S., Fazio, E. M., & Meersman, S. C. (2005). Stress, health, and the life course: Some conceptual perspectives. Journal of Health and Social Behavior, 46(2), 205–219 Pearlin, L. I., & Schooler, C. (1978). The structure of coping. Journal of Health and Social Behavior, 19(1), 2–21 Pedraza, S. (1996). Cuba’s refugees: Manifold migrations. In S. Pedraza & R. G. Rumbaut (Eds.), Origins and destinies. Belmont, CA: Wadsworth Cengage Learning Pedraza, S. (2002). Democratization and migration: Cuba’s exodus and the development of civil society-hindrance or help. Cuba in Transition, 12, 247–261 Pedraza-Bailey, S. (1985). Cuba’s exiles: Portrait of a refugee migration. International Migration Review, 19(1), 4–34. Retrieved from http://links.jstor.org/sici?sici=0197-9183%2819 8521%2919%3A1%3C4%3ACEPOAR%3E2.0. CO%3B2-X Pérez, L. A. (2008). On becoming Cuban: Identity, nationality, and culture. Chapel Hill, NC: University of North Carolina Press Perez, R. M. (2012). Latino mental health: Acculturation challenges in service provision. In L. P. Buki & L. M. Piedra (Eds.), Creating infrastructures for Latino mental health (pp. 31–54). New York, NY: Springer Perez, R. M. (2013). Paradise lost: Older CubanAmerican exiles’ ambiguous loss of leaving the homeland. Journal of Gerontological Social Work, 56(7), 596–622. doi: 10.1080/01634372. 2013.817496 Perez,R.M.(2015).Cubano;Miamisí:CubanAmericans coping with ambiguous loss. Journal of Human Behavior in the Social Environment, 25(1), 50–66 Perez, R. M. (2016). Older Chicago CubanAmericans: A minority within a minority. Unpublished manuscript Portes, A., & Stepick, A. (1994). City on the edge: The transformation of Miami. Berkeley, CA: University of California Press Reiss, D. (1981). The family’s construction of reality. Cambridge, MA: Harvard University Press Reiss, D., & Oliveri, M. E. (1991). The family’s conception of accountability and competence: A new approach to the conceptualization and assessment of family stress. Family Process, 30(2), 193–214 Rothe,E.M.,&Pumariega,A.J.(2008).Thenewface of Cubans in the United States: Cultural process and generational change in an exile community. Journal of Immigrant & Refugee Studies, 6(2), 247–266. doi: 10.1080/15362940802198934 Rumbaut, R. G. (2008). The coming of the second generation: Immigration and ethnic mobility in Southern California. Annals of the American Academy of Political and Social Science, 620(1), 196–236 Solheim, C., Zaid, S., & Ballard, J. (2015). Ambiguous loss experienced by transnational Mexican immigrant families. Family Process. doi: 10.1111/famp.12130 Suárez, Z. E., & Perez, R. M. (2011). The CubanAmerican family. In R. Wright, C. H. Mindel, R. W. Habenstein, & T. V. Tran (Eds.), Ethnic families in America: Patterns and variations (5th ed., pp. 112–128). New York, NY: Elsevier US Citizenship and Immigration Services. (2015). Green card for a Cuban native or citizen. Retrieved from http://www.uscis.gov/green-card/ other-ways-get-green-card/green-card-cuban native-or-citizen VegaPérez,J.I.,&Perez,R.M.(Writers)(in process). Cuba es mi patria (R. M. Perez, Prod.). United States White, M. (2004). Working with people who are suffering the consequences of multiple trauma: A narrative perspective. International Journal of Narrative Therapy & Community Work, (1), 45 |