مداخل تنمية عادات العقل لدى الطفل الموهوب

الموهبة نعمة من نعم الله، وثروة عظيمة ونادرة في المجتمع، والأخذ بيد الموهوبين والاحتفاء بهم يعطي بعداً مهماً ومردوداً إيجابياً مفيداً مما يعود عليهم بالنفع وينعكس على انطلاقتهم ومواهبهم وقدراتهم إلى مستقبل مرموق، ترتقي المستوى وتبلغ أوج مجدها بالعلم والاهتمام بذوي المواهب وبالمعرفة التي تحقق طموحاتها وتقودها إلى الحضارة واستشراق المستقبل ومواجهة تحدياته، ولقد تطورت فكرة الاهتمام بالموهوبين إلى مشاركة المجتمع من رجال الفكر والعلم والمال والأعمال في دعم هذا البرنامج ودعم البحث العلمي في مجال الموهوبين، وفي مدارسنا اليوم نخبة من الموهوبين لديهم استعدادات وقدرات غير عادية في ميدان التفوق العلمي والتفكير والابتكار  والتحصيل العلمي والمهارات والقدرات الخاصة ويحتاجون إلى العناية والرعاية والاهتمام وتوفير فرص التفوق وتهيئة البرامج المناسبة لهم ولتفوقهم ونبوغهم والعمل باستمرار على تنمية مواهبهم وتنمية الفكر الناقد والإبداع بالتشجيع والتوجيه المستمر والدعم الدائم وتطوير برامجهم ويجب الاهتمام بتعليمهم وتوفير البرامج التعليمية وتوفير لهم الطرائق والوسائل المناسبة لتعليمهم وتنمية معارفهم ومدركاتهم، وقد تناولت الكثير من النظريات عملية التعلم وكان من أهمها النظرية المعرفية التي تناولت العديد من الجوانب والمفاهيم ومن هذه الجوانب التي ظهرت في نهايات العقد الأخير من القرن العشرين اتجاه يركز على كيفية توجيه الفرد نحو التفكير السليم والتصرف بذكاء، و أطلق على هذا اتجاه عادات العقل Mind of Habits وهي عادات مهمة للتفكير ولا تجعل الأطفال يفكرون بشكل فعال ومبدع وعميق فحسب بل يعتمدون هذا النمط بالتفكير.

والموهبة هي:

الاستعدادات أو المقدرات الخاصة التي تمكن الفرد من التفوق في مجالات أو نشاطات غير أكاديمية كالفنون والقيادة الاجتماعية والموسيقى والشعر والتمثيل والمهارات الميكانيكية. (القريطي، 2004، ص.64)

عادات العقل: هي عادات معرفية توجه سلوك الفرد وتحفزه للتعلم ولتحقيق هدف معين وتساعده في التركيز على الأولويات الأهم. (حجات،2009، ص. 5).

وبالحديث عن دور المتعلم الفعال والدور الإيجابي الذي يحتله في العملية التعليمية ونقل محور العملية التعليمية من المعلم للمتعلم بوصفه عضواً فاعلاً في العملية التعليمية وعند حديثنا عن تنمية بعض عادات العقل لدى فئة من الطلبة الموهوبين لا بد من أن نتطرق بالذكر والحديث ولو بالشيء اليسير عن النظرية المعرفية في التعلم؛ لأن النظرية المعرفية تأخذ في الاعتبار خصائص المتعلم والعوامل المؤثرة في تعلمه ومعالجتها وقد تغير تعريف التعلم من الاتجاه الذي يتضمن تعديلاً وتغييراً في السلوك إلى افتراض أن التعلم هو عملية التفكير الذي يمارسه المتعلم في الموقف، وأن التعلم لا يحدث إلا إذا قام المتعلم بحيوية ونشاط في الموقف إلى أن تطور لديه ما يسمى بالخبرة فالتعلم تفكير وتفاعل نشط لكي يطور المتعلم الخبرة، كما أن التغيرات التي تحدث لدى المتعلم هي تغيرات في عدد الأبنية المعرفية، ومستواها، واستراتيجيات التعلم في التقاط الخبرة، ونوع المعالجات التي يجريها المتعلم، والتعديلات والتغيرات في تنظيمها لكي تناسب مستواه وأسلوب تعلمه، وبذلك فقد تغير دور المتعلم وأصبح حيوياً، ونشطأ وفعالاً، ومنظماً ومديراً، ومولداً ومنتجاً للمعرفة وقد تم تضمين معالجات مختلفة في تفسير التعلم من وجهة النظر المعرفية، وكـل ذلـك التقليب، والمعالجة، والتدوير كان بهدف الإلمام بأساليب تفسير التعلم من وجهة نظر معرفية، وإن ذلك يسهم في فهم مواقف التعلم الصفية المعاصرة، وإعداد المواد المعرفية بطريقة مناسبة تناسب كل الطلبة في الصف، وقد تم تضمين تطبيقات بسيطة لكـل اتجاه مـن الاتجاهات المعرفية الفرعية لجعل التعلم حيوياً، واحترام فردية المتعلم وتفكيره.

وقد جاءت هذه النظرية تلبية واستجابة لأصوات علم النفس المعرفي الذي بدأ ظهوره في عام 1967 على يد العالم الأمريكي اليرك نايزر أول من كتب كتاباً في علم النفس المعرفي ( .(Cognintive psychology (القطامي، 2013، ص 15- 19)

وهذا ما أكدته الدراسات الآتية في تنمية عادات العقل لدى الطفل الموهوب:

1 – دراسة (القضاة، 2020)

موضوع الدراسة: الإسهام النسبي لعادات العقل في التنبؤ بفاعلية الذات الإبداعية لدى الطلبة الموهوبين.

2- دراسة (إبراهيم، 2018)

موضوع الدراسة: فعالية برنامج قائم على عادات العقل لتحسين مفهوم الذات والتحصيل الدراسي لدى أطفال المرحلة الابتدائية.

3- دراسة (سليم، 2017)

موضوع الدراسة: فاعلية برنامج لتنمية بعض عادات العقل للحد من صعوبات القراءة والكتابة لدى عينة من تلاميذ المرحلة الابتدائية.

مداخل تنمية عادات العقل:

 اقترح فولكمان (Volkmann, 1999) عدة مداخل يمكن من خلالها تنمية عادات العقل ومنها: 

(1) استخدام القصص المعُبرة عن حياة الشخصيات: يمكن استعراض بعض القصص العلمية، ويقوم الطلبة باستخلاص مجموعة من الخصائص التي تميز بها أصحاب هذه القصص، وبالتالي تبرز العادات العقلية التي مارسها هؤلاء العلماء، ومن ثم تدريب الطلبة عليها. 

(2)  الأهداف الشخصية: أثبتت بعض الدراسات، أن كثيراً من العادات العقلية يمكن تعزيزها بصورة جيدة إذا كان الطالب يسعى الى تحقيق أهدافه الشخصية، وبمعنى آخر الأفراد الذين يتمتعون بدافعية إنجاز عالية يكونون أكثر استخداماً للعادات والمهارات العقلية، مثل وضع الخطط المناسبة والبحث عن البدائل والمصادر المتنوعة.

(3)  المشكلات الأكاديمية والألغاز: تعد المشكلات الأكاديمية أداة أساسية في تنمية وتعزيز العادات العقلية، وخاصة تلك العادات المرتبطة بالتفكير الناقد والتفكير الإبداعي، وترجع أهمية المشكلات في تعزيز العادات العقلية، لأنها ذات قوة دافعة تحرك الفرد للتعامل معها ومحاولة حلها، ويمكن تنميتها في المحتوى الدراسي للمنهج، وقدرتها على التحدي المعرفي للعقل.

(4)  الحوار السقراطي والمناظرة والمناقشة: تعُد أدوات أساسية لتنمية العادات العقلية، ويمكن للمعلم أن ينظم جلسات النقاش بصورة جماعية، أو يستخدم المناقشات الاستكشافية.

(5)  مدخل الأساليب البصرية: يقوم هذا المدخل على استخدام أدوات مبتكرة مرسومة ، تستخدم البصر لتعزز وتعمل على تنمية قدرات التخيل، وعن طريقها يكتسب العقل معنى لما سبق تعلمه. (الفارس،2020)

الخاتمة:

إنّ تنمية عادات العقل لدى الطفل الموهوب ليست مجرد إضافة معرفية تكميلية، بل هي ركيزة أساسية تسهم في بناء شخصية متوازنة، واعية، قادرة على التفكير العميق وحل المشكلات بطرق فعّالة وإبداعية؛ فالطفل الموهوب بما يمتلكه من قدرات واستعدادات غير عادية بحاجة إلى بيئات تعلم تستثمر هذه القدرات، وتوجهها، وتبني مهاراته العقلية لتصبح عادات راسخة تُمارس في حياته اليومية وتنعكس على أدائه الأكاديمي والاجتماعي والابتكاري.

ومداخل تنمية عادات العقل تُسهم في تهيئة بيئات تعليمية محفزة تُراعي احتياجات الموهوبين، وتستثير دافعيتهم، وتحفّزهم على التفكير العميق والتساؤل والتحليل.

ومن هنا فإنّ الاهتمام بالطفل الموهوب لا يكون فقط بتقديم المحتوى المتقدم، بل بتمكينه من أدوات التفكير التي تشكل أساس شخصيته المستقبلية، ليصبح قادراً على الإبداع، واتخاذ القرار، والتفاعل البنّاء مع مشكلات عالم معقد وسريع التغير، ويقع على عاتق المعلمين، وأولياء الأمور، وصانعي السياسات التربوية تبني هذه المداخل وتفعيلها داخل المدرسة وخارجها، لضمان النمو الشامل للطفل الموهوب عقلياً وانفعاليًا واجتماعيًا.

وبذلك فإنّ الاستثمار في عادات العقل هو استثمار في الإنسان نفسه، وفي قدرته على الإسهام الحضاري والإبداعي، وفي بناء مجتمع أكثر نمواً وابتكاراً.

المراجع:

حجات، عبد الله. (2010). عادات العقل والفاعلية الذاتية. دار جليس الزمان للنشر والتوزيع.

قطامي، يوسف. (2013). النظرية المعرفية للتعليم. دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة.

القريطي، عبد المطلب. (د.ت). الموهوبون والمتميزون خصائصهم واكتشافهم ورعايتهم، عالم الكتب.

القضاة، مهند. (2020). الإسهام النسبي لعادات العقل في التنبؤ بفاعلية الذات الإبداعية لدى الطلبة الموهوبين، المجلة الأردنية في العلوم التربوية (العدد2) ص235-255.

 الفارس، سندس. (2يوميو،2020). عادات العقل تنميتها وعلاقتها بالنصفين الكرويين للدماغ.

Pillar Centr على الرابط

https://pillarcenter.org/2020/06/02/%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%82%D9%84

إبراهيم، هند. (2018). فعالية برنامج قائم على عادات العقل لتحسين مفهوم الذات والتحصيل الدراسي لدى أطفال المرحلة الإبتدائية، المراجع، على الرابط

https://www.elmarjaa.com/2022/03/Habits-Mind-Self-Concebt.html?m=1

سليم، أماني. (2017). فاعلية برنامج لتنمية عادات العقل للحد من صعوبات تعلم القراءة والكتابة لدى عينة من تلاميذ المرحلة الإبتدائية. على الرابط

http://db4.eulc.edu.eg/eulc_v5/Libraries/Thesis/BrowseThesisPages.aspx?fn=PublicDrawThesis&BibID=12428040

Facebook
Twitter
WhatsApp