يُعَدُّ السلوك لدى الأطفال عنصرًا أساسيًا في تطورهم الاجتماعي والانفعالي، حيث يمكن أن تؤثر المشكلات السلوكية في نموهم وتفاعلهم مع بيئتهم بشكل سلبي إذا لم تتم معالجتها بالشكل الصحيح؛ لهذا السبب أصبح البحث في كيفية خفض المشكلات السلوكية والسيطرة عليها لدى الأطفال أمرًا جوهريًا في مجالات التربية وعلم النفس والتأهيل النفسي والاجتماعي.
وتعد معالجة المشكلات السلوكية خطوة أساسية، لكنها يجب أن تتزامن مع تنمية مهارات بديلة تمكّن الفرد من الاستغناء عن السلوك غير المرغوب فيه والابتعاد عنه، ومن الضروري تحليل المشكلة السلوكية وتقييم أداء الطالب بشكل دقيق
وهنا يجب أن نفرق بين تعديل السلوك وتحليل السلوك؛ حيث أن محلل السلوك يأخذ بعين الاعتبار كل المتغيرات المؤثرة في السلوك ومن ذلك المتغيرات الطبية والفسيولوجية، وتدريب الأسرة عند التدخل أو تعديل المشكلة.
والسلوك هو أي فعل أو رد فعل يقوم به الإنسان لتحقيق هدف ما؛ وقد يكون السلوك إراديًا أو غير إرادي، ظاهرًا أو خفيًا، بسيطاً أو معقدًا. (الخطيب، 2017)
علم السلوك مازال يحاول فهم السلوك بالشكل المبسط والمعقد من أجل تغيير السلوك نحو الأفضل ومن هذه الطرق: المنظومة السلوكية (Behavioral Contingency) وهي نوعان: مباشرة وغير مباشرة، غير المباشرة شائكة ولا يمكن فهمها إلا من خلال معرفتنا وفهمنا للمنظومة السلوكية المباشرة.
المنظومة السلوكية المباشرة ومكوناتها:
يقوم تحليل السلوك التطبيقي على نموذج ABC (سوابق – سلوك – نتيجة) حيث يقسم هذا النموذج السلوك إلى ثلاثة أجزاء:
١- السوابق Antecedent (A):
هي أحداث تهيئ الفرصة لحدوث سلوك ما أو هي ما يحدث قبل حدوث السلوك مباشرة وغالباً ما نستطيع أن نحدد من خلالها متى سيحدث السلوك مرة أخرى، وتتضمن السوابق ما يسمى بالمثير التمييزي SD الذي يرتبط تأثيره بالمحفز التشغيلي Mo.
٢- السلوك Behavior (B): أي شيء يقوم به الشخص أو يقوله ويتضمن حركة من هذا الشخص ويمكن ملاحظته وقياسها (يمشي، يصرخ، يركض، يتحدث، يضرب…) ويعرف أيضاً باسم الاستجابة.
٣- النتيجة Consequence(C): المثير الذي يتبع السلوك مباشرة وغالباً يحدد إمكانية حدوث السلوك مرة أخرى والذي قد يكون تعزيزاً أو عقاباً أو إطفاء. (حمدالله، 2023)
متغيران أساسيان ما قبل السلوك:
1. المثير الضابط (SD):
مثال (1):
قواعد الصف ((Classroom Rules: من شأن توضيح مجموعة من قواعد السلوك في الصف ونتائج مخالفتها مساعدة الطلبة في فهم ما هو مقبول وما هو غير مقبول في الصف. (الخطيب، 2017)
مثال (2):
تخيل أنك تُدرّب طفلًا على تمييز الألوان، لديك بطاقتان: واحدة بلون أحمر والأخرى بلون أصفر، عندما تقول للطفل :أعطني البطاقة الحمراء، فإن هذه العبارة تمثل المثير الضابط (SD) لأنها تشير إلى أن استجابة الطفل الصحيحة (إعطاء البطاقة الحمراء) ستؤدي إلى تعزيز، مثل الثناء أو المكافأة.
إذا استجاب الطفل استجابة صحيحة وأعطاك البطاقة الحمراء، يحصل على تعزيز مثل “أحسنت” أو قطعة حلوى، ما يزيد من احتمالية تكرار هذا السلوك في المستقبل، أما إذا أعطاك البطاقة الصفراء، فلن يحصل على تعزيز، ما يساعده على تعلم التمييز بين الألوان بناءً على المثير الضابط.
2. العمليات الدافعية (MO):
مثال: تخيل أنك تحاول تعليم طفل غير ناطق أن يطلب العصير، إذا كنت تقدم له العصير طوال اليوم، فقد لا يكون لديه دافع لطلبه، ولكن إذا توقفت عن تقديم العصير لبضعة أيام، فإن قيمة العصير كمعزز ستزداد، ما يجعله أكثر احتمالًا أن يستخدم الإشارة أو الكلمة لطلبه عندما يُعرض عليه
ما بعد السلوك:
التعزيز – Reinforcement
الإطفاء – Extinction
العقاب – Punishment
التعزيز: أي فعل أو حدث يؤدي الى زيادة احتمال حدوث استجابة معينة أو تكرارها أو هو تقوية السلوك من خلال إضافة مثيرات إيجابية أو إزالة مثيرات منفرة. (حسين، 2008)
السلوك يتأثر بما بعده، وقوة السلوك من قوة المعززات وتاريخ تعزيز السلوك.
العقاب: إجراء يؤدي إلى تقليل احتمالات حدوث السلوك في المستقبل بمعنى الحدث الذي يعقب حدوث الاستجابة والذي يؤدي الى إضعاف الاستجابة التي تعقب ظهور العقوبة أو التوقف عن هذه الاستجابة. (حسين، 2008)
يؤدي العقاب بأشكاله إلى خفض السلوك إذا تم تطبيقه بشكل صحيح، ويجب التمييز بين العقاب والإساءة:
العقاب مفهوم نفسي تربوي سلوكي يستخدم في آخر المراحل بعد استنفاذ إجراءات التعزيز والإطفاء، ونضطر إلى العقاب في الحالات الآتية:
الحالة التي تؤدي إلى إيذاء الذات والآخرين.
السلوك الذي يحدث بشكل كبير جدًا ويعيق العملية التعليمية.
في حال طُبق العقاب ولم ينخفض السلوك أو لم يختفِ ففي هذه الحالة تغير مفهوم العقاب إلى مفهوم الإساءة، وفي حال العقاب لم يؤثر في خفض السلوك لابد من تعديل الإجراء.
تعريف الإطفاء (Extinction)
هو استبعاد العواقب أو النتائج التي تساند أو تزيد من السلوك، وهو وسيلة فعالة لخفض السلوكيات غير المرغوب فيها، حيث يتم تجاهلها. (مصطفى والشربيني، 2014)
عملية إيقاف التعزيز، ويكون التجاهل عندما تكون وظيفة السلوك الانتباه/الاهتمام، وإذا كانت وظيفة السلوك الهروب أو التخلص من المهام يطبق الإطفاء من خلال إكمال المهمة.
“بدون فهم وظيفة السلوك، ربما لا تكون التدخلات الموضوعة فعالة أو قد تؤدي إلى تفاقم السلوك وجعله أسوأ من قبل”
نتائج الإطفاء:
قد يزداد السلوك في البداية، ثم ينخفض تدريجيًا، ثم يتابع المدرب حديثه عن المتغيرات القبلة (Antecedent)، والمكونة من المثير الضابط (SD) والعمليات الدافعية (MO)، ونشير إلى أن تأثير العمليات الدافعية مؤقت.
الإجراءات السلوكية المتبعة لخفض المشكلات السلوكية:
– التعزيز التفاضلي من خلال إطفاء السلوك غير المرغوب به وتعزيز سلوك بديل جديد، ومن سمات السلوك البديل (Alternative Behaviour): سهل على الطالب وموجود ضمن الحصيلة السلوكية (قادر على القيام به).
– العقاب:
مثل: الوقت المستقطع/الإقصاء – Time Out أي إبعاده عن منطقة النشاط لمدة 1-2 دقيقة، وصد السلوك وإعادة توجيهه.
لا يجوز أن نعاقب إلا بوجود خطة علاجية لبناء المهارة؛ فالعقاب يعلم الفرد ما لا يجب أن يفعله بينما التعزيز يعلم الفرد ما يجب أن يفعله.
قائمة المراجع:
حمد لله، منذر إبراهيم. (2023). الدليل العملي تحليل السلوك التطبيقي للأفراد ذوي الاضطرابات النمائية والتوحد. مكتبة الملك فهد الوطنية.
الخطيب، جمال محمد. (2017). تحليل السلوك التطبيقي. دار الشرق والنشر والتوزيع.
حسين، طه عبد العظيم. (2008). استراتيجيات تعديل السلوك للعاديين وذوي الاحتياجات الخاصة. دار الجامعة الجديدة للنشر
مصطفى، أسامة فاروق، والشربيني، السيد كامل. (2014). التوحد الأسباب التشخيص العلاج (ط.2). دار الميسرة للنشر والتوزيع.